اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (37)

قوله { إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ } قرأ العامة بكسر الراء ، مضارع حرص بفتحها ، وهي اللغة الغالبة لغة الحجاز .

وقرأ الحسن ، وأبو حيوة{[19813]} : " تَحْرَص " بفتح الراء ، مضارع حرص بكسرها ، وهي لغة لبعضهم ، وكذلك النخعيُّ{[19814]} : إلاَّ أنه زاد واواً قبل : " إنْ " فقرأ : " وإنْتحرصْ " .

قوله : " لا يَهْدِي " قرأ الكوفيون{[19815]} بفتح الياءِ ، وكسر الدَّال ، وهذه القراءة تحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون الفاعل ضميراً عائداً على الله - تعالى - أي : لا يهدي الله من يضله ؛ ف " مَنْ " مفعول " يَهْدِي " ؛ ويؤيده قراءة أبي : " فإنَّ الله لا هَادِي لمَنْ يضلُّ ولمَنْ أضلَّ " وأنه في معنى قوله :

{ مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ } [ الأعراف : 186 ] .

والثاني : أن يكون الموصول هو الفاعل ، أي : لا يهدي المضلين ، و " يَهْدي " يجيء في معنى يهتدي ، يقال : هداهُ فهدى ، أي : اهتدى .

ويؤيد هذا الوجه : قراءة عبد الله " يَهِدِّي " بتشديد الدال المكسورة ، والأصل يهتدي ؛ فأدغم .

ونقل بعضهم في هذه القراءة كسر الهاء على الإتباع ، وتحقيقه ما تقدم في يونس ، والعائد على " مَنْ " محذوف ، أي : الذي يضله الله .

والباقون " لا يُهْدَى " بضمِّ الياء ، وفتح الدال ، مبنيًّا للمفعول ، و " مَنْ " قائم مقام فاعله ، وعائده محذوف أيضاً .

وجوَّز أبو البقاء : أن تكون " مَنْ " مبتدأ ، و " لا يَهْدِي " خبره - يعني - تقدم عليه .

وهذا خطأ ؛ لأنه متى كان الخبر فعلاً رافعاً لضميرٍ مستترٍ وجب تأخيرهُ نحو : " زيْدٌ لا يَضْرِب " ، ولو قدمت لالتبس بالفاعل .

وقرئ " لا يُهْدِي " بضم الياء وكسر الدال .

قال ابن عطية{[19816]} - رحمه الله- : " وهي ضعيفة " .

قال ابن حيَّان{[19817]} : " وإذا ثبت أن " هَدَى " لازم بمعنى اهتدى ، لم تكن ضعيفة ؛ لأنه أدخل همزة التعدية على اللازم ، فالمعنى لا يجعل مهتدياً من أضله الله " .

وقوله تعالى : " ومَا لَهُمْ " حمل على معنى " مَنْ " فلذلك جمع .

وقرئ{[19818]} : " مَنْ يَضِلُّ " بفتح الياء من " ضَلَّ " أي : لا يهدي من ضل بنفسه { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } ، أي : [ ما يقيهم ]{[19819]} من العذاب .


[19813]:ينظر: المحتسب 2/9، والشواذ 3، البحر 5/476، الدر المصون 4/324.
[19814]:ينظر: البحر 5/475، والدر المصون 4/324.
[19815]:ينظر في قراءاتها: السبعة 372، النشر 2/304، الإتحاف 4/184، التيسير 137، والبحر 5/476، والقرطبي 10/69، والدر المصون 4/325.
[19816]:ينظر: المحرر الوجيز 3/392.
[19817]:ينظر: البحر المحيط 5/476.
[19818]:ينظر: البحر 5/476، والدر المصون 4/326.
[19819]:في أ: مانعين.