فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (37)

{ إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ( 37 ) } .

ثم خصص الخطاب برسوله صلى الله عليه وآله وسلم مؤكدا لما تقدم فقال : { إِن تَحْرِصْ } يا محمد { عَلَى هُدَاهُمْ } أي تطلب بجهدك ذلك وقد أضلهم الله لا تقدر على ذلك ، وفي المصباح حرص عليه حرصا من باب ضرب إذا اجتهد والاسم الحرص بالكسر وحرص على الدنيا وحرص حرصا من باب تعب لغة إذا رغب رغبة مذمومة .

وفي السمين قراءة العامة إن تحرص بكسر الراء مضارع حرص بفتحها وهي اللغة العالية لغة الحجاز وقرئ بكسر الراء مضارع حرص بكسرها وهي لغة لبعضهم .

{ فَإِنَّ اللّهَ } تعليل للجواب { لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } قرئ يهدي بفتح حرف المضارعة على أنه فعل مستقبل مسند إلى الله سبحانه أي فإن الله لا يرشد من أضله وقرئ بضم حرف المضارعة على أنه مبني للمجهول على أنه لا يهديه هاد كائنا من كان وهما سبعيتان ، فهذه الآية كقوله في الآية الأخرى { من يضلل الله فلا هادي له } وقال الفراء : على القراءة الأولى معنى لا يهدي لا يهتدي كقوله تعالى : { أم من لا يهدي إلا أن يهدي } بمعنى يهتدي .

قال النحاس : حكى عن المبرد معنى لا يهدي من يضل من علم ذلك منه وسبق له عنده { وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ } ينصرونهم على الهداية لمن أضله الله أو ينصرونهم بدفع العذاب عنهم ومن زائدة .

ثم ذكر عناد قريش وإنكارهم للبعث فقال : { وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ } أي حلفوا وسمى الحلف قسما لأنه يكون عند انقسام الناس إلى مصدق ومكذب .

{ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } أي جاهدين غاية اجتهادهم فيها وذلك أنهم كانوا يقسمون بآياتهم وآلهتهم فإذا كان الأمر عظيما أقسموا بالله ، والجهد بفتح الجيم المشقة وبضمها الطاقة وانتصابه على المصدرية وظاهره أنه استئناف إخبار وجعله الزمخشري نسقا على وقاله الذين أشركوا .

{ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ } من عباده زعموا أن الله سبحانه عاجز عن بعث الأموات ، عن أبي العالية قال : كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه فكان مما يتكلم به والذي أرجو بعد الموت أنه لكذا وكذا فقال له المشرك إنك لتزعم أنك تبعث من بعد الموت فأقسم بالله جهد يمينه لا يبعث الله من يموت فأنزل الله سبحانه هذه الآية ، وعن علي قال نزلت في .

{ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا } هذا إثبات لما بعد النفي أي بلى يبعثهم ووعدا مصدر مؤكد لما دل عليه بلى وهو يبعثهم لأن البعث وعد من الله والتقدير وعد البعث وعدا عليه وحقه حقا لا خلف فيه { وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } إذ ذلك يسير عليه سبحانه غير عسير إما لعدم علمهم بأنه من مواجب الحكمة التي جرت عادته بمراعاتها وإما لقصور نظرهم بالمألوف فيتوهمون امتناع البعث .