معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

قوله تعالى : { فرح المخلفون } . عن غزوة تبوك . والمخلف : المتروك { بمقعدهم } أي بقعودهم { خلاف رسول الله } ، قال أبو عبيدة : أي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين ساروا وأقاموا ، { وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر } ، وكانت غزوة تبوك في شدة الحر ، { قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون } ، يعلمون وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

{ 81 - 83 } { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ }

يقول تعالى مبينا تبجح المنافقين بتخلفهم وعدم مبالاتهم بذلك ، الدال على عدم الإيمان ، واختيار الكفر على الإيمان .

{ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ } وهذا قدر زائد على مجرد التخلف ، فإن هذا تخلف محرم ، وزيادة رضا بفعل المعصية ، وتبجح به .

{ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } وهذا بخلاف المؤمنين الذين إذا تخلفوا -ولو لعذر- حزنوا على تخلفهم وتأسفوا غاية الأسف ، ويحبون أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه ، لما في قلوبهم من الإيمان ، ولما يرجون من فضل اللّه وإحسانه وبره وامتنانه .

{ وَقَالُوا } أي : المنافقون { لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ } أي : قالوا إن النفير مشقة علينا بسبب الحر ، فقدموا راحة قصيرة منقضية على الراحة الأبدية التامة .

وحذروا من الحر الذي يقي منه الظلال ، ويذهبه البكر{[378]} والآصال ، على الحر الشديد الذي لا يقادر قدره ، وهو النار الحامية .

ولهذا قال : { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } لما آثروا ما يفنى على ما يبقى ، ولما فروا من المشقة الخفيفة المنقضية ، إلى المشقة الشديدة الدائمة .


[378]:- في ب، عدلت الكلمة إلى البكور
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

وبعد هذا الحديث الطويل المتنوع عن أحوال المنافقين ومسالكهم الخبيثة ، أخذت السورة الكريمة في الحديث عن حال المنافقين الذين تخلفوا في المدينة ، وأبوا أن يخرجوا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك ، فقال - تعالى - : { فَرِحَ المخلفون . . . مَعَ الخالفين } .

وقوله : " المخلفون " اسم مفعول مأخوذ من قولهم خلف فلان فلانا وراءه إذا تركه خلفه .

والمراد بهم : أولئك المنافقيون الذين تخلفوا عن الخروج إلى غزوة تبوك بسبب ضعف إيمانهم ، وسقوط همتهم ، وسوء نيتهم . .

قال الجمل : وقوله { خِلاَفَ رَسُولِ الله } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه منصوب على المصدر بفعل مقدر مدللو عليه بقوله " مقعدهم " لأنه في معنى تخلفوا أى : تخلفوا خلاف رسول الله . الثانى : أن خلاف مفعول لأجله والعامل فيه إما فرح مقعد . أى : فرحوا لأجل مخالفتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث مضى هو للجهاد وتخلفوا هم عنه . أو بقعودهم لمخالفتهم له ، وإليه ذهب الطبرى والزجاج ، ويؤيد ذلك قراءة من قرأ : " خلف رسول الله " - بضم الخاء واللام ، الثالث : أن ينتصب على الظرف . أى بعد رسول الله ، يقال : أقام زيد خلاف القوم ، أى : تخلف بعد ذهابهم ، وخلاف يكون ظرفا ، وإليه ذهب أبو عبيدة وغيره ، ويؤيد هذا قراءة ابن عباس ، وأبى حيوه ، وعمرو بن ميمون ، " خلف رسول الله " - بفتح الخاء وسكون اللام .

والمعنى : فرح المخلفون : من هؤلاء المنافقين ، بسبب قعودهم في المدينة ، وعدم خروجهم إلى تبوك للجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين ، وكرهوا أن يبذلوا شيئا من أموالهم وأنفسهم من أجل إعلاء كلمة الله .

وإنما فرحوا بهذا القعود ، وكرهوا الجهاد ؛ لأنهم قوم خلت قلوبهم من الإِيمان بالله واليوم الآخر ، وهبطت نفوسهم عن الارتفاع إلى معالى الأمور ، وآثروا الدنيا وشهواتها الزائلة على الآخرة ونعيمها الباقى .

وفى التعبير بقوله : { المخلفون } تحقير لهم ، وإهمال لشأنهم ، حتى لكأنهم شئ من سقط المتاع الذي يخلف ويترك ويهمل ؛ لأنه لا قيمة له ، أو لأن ضرره أكبر من نفعه .

قال الآلوسى : وإيثار ما في النظم الكريم على أن يقال ، وكرهوا أن يخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إيذان بأن الجهاد في سبيل الله مع كونه من أجل الرغائب التي ينبغى أن يتنافس فيها المتنافسون ، قد كرهوه ، كما فرحوا بأقبح القبائح وهو القعود خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وفى الكلام تعريض بالمؤمنين الذين آثروا ذلك وأحبوه .

وقوله : { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الحر } حكاية لأقوالهم التي تدل على ضعفهم وجبنهم ، وعلى أنهم قوم لا يصلحون للأعمال التي يصلح لها الرجال .

أى . وقال هؤلاء المنافقون المخلفون لغيرهم ، أقعدوا معنا في المدينة ، ولا تخرجوا للجهاد مع المؤمنين ، فإن الحر شديد ، والفر طويل ، وقعودكم يريحكم من هذه المتاعب ، ويحمل غيرنا وغيركم على القعود معنا ومعكم ، وبذلك ننال بغيتنا من تثبيط همة المجاهدين عن الجهاد في سبيل الله .

وقوله : { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً } رد على أقوالهم القبيحة ، وأفعالهم الخبيثة ، أى ، قل يا محمد لهؤلاء المنافقين على سبيل التهكم بهم ، والتحقير من شأنهم : نار جهنم أشد حرا من هذا الحر الذي تخشونه وترونه مانعا من النفير بل هي أشد حرا من نار الدنيا . . .

روى الإِمام مالك عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : " نار بنى آدم التي توقدونها . جزء من سبعين جزءا من نار جهنم " .

ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال : وقوله : { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً } استجهال لهم ، لأن من تصون مشقة ساعة ، فوقع بسبب ذلك التصون في مشقة الأبد ، كان أجهل من كل جاهل ، ولبعضهم :

مسرة أحقاب تلقيت بعدها . . . مساءة يوم أريها شبه الصاب

فكيف بأن تلقى مسرة ساعة . . . وراء تقضيها مساءة أحقاب

أى : أن حزن يوم واحد يجعل المسرات الطويلة قبله تتحول إلى ما يشبه الصاب مرارة ، فيكف يكون الحال إذا كانت المسرات ساعة واحدة تعقبها أحقاب طويلة من المساءات ؟ ! ! .

وقوله : { لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } تذييل قصد به الزيادة في توبيخهم وتحقيرهم .

أى : لو كانوا يفقهون أن نار جهنم أشد حرا ويعتبرون بذلك ، لما فرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ، ولما كرهوا الجهاد ، ولما قالوا ما قالوا ، بل لحزنوا واكتأبوا على ما صدر منهم ، ولبادروا بالتوبة والاستغفار ، كما فعل أصحاب القلوب والنفوس النقية من النفاق والشقاق .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

يقول تعالى ذَامّا للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وفرحوا بمقعدهم{[13717]} بعد خروجه ، { وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا } معه { بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا } أي : بعضهم لبعض : { لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ } ؛ وذلك أن الخروج في{[13718]} غزوة تبوك كان في شدة الحر ، عند طيب الظلال والثمار ، فلهذا قالوا{[13719]} { لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ } قال الله تعالى لرسوله : { قل } لهم : { نَارُ جَهَنَّمَ } التي تصيرون إليها بسبب مخالفتكم { أَشَدُّ حَرًّا } مما فررتم منه من الحر ، بل أشد حرا من النار ، كما قال الإمام مالك ، عن أبي الزِّناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نار بني آدم التي يوقدون بها جزءٌ من سبعين جزءًا [ من نار جهنم " فقالوا : يا رسول الله ، إن كانت لكافية . قال{[13720]} إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا ]{[13721]} أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك ، به{[13722]}

وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي{[13723]} صلى الله عليه وسلم قال : " إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، وضربت بالبحر مرتين ، ولولا ذلك ما جعل [ الله ]{[13724]} فيها منفعة لأحد " {[13725]} وهذا أيضا إسناده صحيح{[13726]} وقد روى الإمام أبو عيسى الترمذي وابن ماجه ، عن عباس الدوري ، عن يحيى بن أبي بكير{[13727]} عن شريك ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أوقد على النار ألف سنة حتى احمرَّت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضَّت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ، فهي سوداء كالليل المظلم " . ثم قال الترمذي : لا أعلم أحدا رفعه غير يحيى{[13728]} كذا قال . وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه عن إبراهيم بن محمد ، عن محمد بن الحسين بن

مكرم ، عن عبيد الله بن سعد{[13729]} عن عمه ، عن شريك - وهو ابن عبد الله النخعي - به . وروى أيضا ابن مردويه من رواية مبارك بن فضالة ، عن ثابت ، عن أنس قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [ التحريم : 6 ] قال : " أُوقد عليها ألف عام حتى ابيضت ، وألف عام حتى احمرت ، وألف عام حتى اسودت ، فهي سوداء كالليل ، لا يضيء لهبها " {[13730]} وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني من حديث تمام بن نَجِيح - وقد اختلف فيه - عن الحسن ، عن أنس مرفوعا : " لو أن شرارة بالمشرق - أي من نار جهنم - لوجد حرها مَنْ بالمغرب " {[13731]} وروى الحافظ أبو يعلى عن إسحاق بن أبي إسرائيل ، عن أبي عبيدة الحداد ، عن هشام بن حسان{[13732]} عن محمد بن شبيب ، عن جعفر بن أبي وحشية ، عن سعيد بن جُبَير ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كان هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون ، وفيهم رجل من أهل النار فتنفس فأصابهم نفسه ، لاحترق المسجد ومن فيه " {[13733]} غريب .

وقال الأعمش عن أبي إسحاق ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لمن له نعلان وشِرَاكان من نار ، يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ، لا يرى أحدا من أهل النار أشدُّ عذابا منه ، وإنه أهونهم عذابا " . أخرجاه في الصحيحين ، من حديث الأعمش{[13734]} وقال مسلم أيضا : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يحيى بن أبي بُكَيْر{[13735]} حدثنا زهير بن محمد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن النعمان بن أبي عياش{[13736]} عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أدنى أهل النار عذابا يوم القيامة ينتعل بنعلين من نار ، يغلي دماغه من حرارة نعليه " {[13737]} وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن ابن عجلان ، سمعت أبي ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أدنى أهل النار عذابا رجل يجعل له نعلان يغلي منهما دماغه " {[13738]}

وهذا إسناد جيد قوي ، رجاله على شرط مسلم ، والله أعلم .

والأحاديث والآثار النبوية في هذا كثيرة ، وقال الله تعالى في كتابه العزيز : { كَلا إِنَّهَا لَظَى نزاعَةً لِلشَّوَى } [ المعارج : 15 ، 16 ] وقال تعالى : { يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } [ الحج : 19 - 22 ] وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } [ النساء : 56 ]

وقال تعالى في هذه الآية الكريمة [ الأخرى ]{[13739]} { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } أي : لو أنهم يفقهون ويفهمون لنفروا مع الرسول في سبيل الله في الحر ، ليتقوا به حَرَّ جهنم ، الذي هو أضعاف أضعاف هذا ، ولكنهم كما قال الآخر{[13740]} كالمستجير من الرمضاء بالنار

وقال الآخر :

عُمرُكَ بالحميَة أفْنَيْتَه *** مَخَافَةَ البارد والحَار

وَكانَ أولَى بك أنْ تَتقي *** مِنَ المعَاصِي حَذرَ النَّار


[13717]:- في ت ، أ : "بقعودهم".
[13718]:- في ت ، أ : "إلى".
[13719]:- في ك : "قال".
[13720]:- في ت ، ك ، أ : "فقال".
[13721]:- زيادة من ت ، ك ، أ ، والموطأ.
[13722]:- الموطأ (2/994) وصحيح البخاري برقم (3265) ورواه مسلم في صحيحه برقم (2843) من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد به.
[13723]:- في ك : "أن رسول الله".
[13724]:- زيادة من ت ، ك ، أ ، . والمسند.
[13725]:- المسند (2/244).
[13726]:- في ت ، أ : "إسناد جيد صحيح".
[13727]:- في أ : "بكر".
[13728]:- سنن الترمذي برقم (2591) وسنن ابن ماجه برقم (4320) وقال الترمذي : "حديث أبي هريرة في هذا موقوف أصح ، ولا أعلم أحدا رفعه غير يحيى بن أبي بكير عن شريك".
[13729]:- في ت ، ك ، أ : "سعيد".
[13730]:- ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (799) من طريق سهل بن حماد عن مبارك بن فضالة به نحوه.
[13731]:- المعجم الأوسط برقم (4841) "مجمع البحرين" وأشار الحافظ هنا إلى الاختلاف في حال تمام بن نجيح ، قال المنذري في الترغيب والترهيب (4/362) : "في إسناده احتمال للتحسين".
[13732]:- في جميع النسخ : "حسام" والتصويب من أبي يعلى.
[13733]:- مسند أبي يعلى (12/22) ورواه أبو نعيم في الحلية (4/307) من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل به ، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (4/363) : "إسناده حسن ، وفي متنه نكارة".
[13734]:- صحيح البخاري برقم (6562) وصحيح مسلم برقم (213).
[13735]:- في أ : "بكر".
[13736]:- في أ : "عباس".
[13737]:- صحيح مسلم برقم (211).
[13738]:- المسند (2/438).
[13739]:- زيادة من ت ، ك ، أ.
[13740]:- وصدر البيت : والمستجير بعمرو عند كربته وذكره داود الأنطاكي في مصارع العشاق (ص 219).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَرِحَ الْمُخَلّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُوَاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنّمَ أَشَدّ حَرّاً لّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فرح الذين خلفهم الله عن الغزو مع رسوله والمؤمنين به وجهاد أعدائه بمقعدهم خِلافَ رَسُولِ اللّهِ يقول : بجلوسهم في منازلهم خلاف رسول الله ، يقول : على الخلاف لرسول الله في جلوسه ومقعده . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالنفر إلى جهاد أعداء الله ، فخالفوا أمره وجلسوا في منازلهم . وقوله : خِلاف مصدر من قول القائل : خالف فلان فلانا فهو يخالفه خلافا فلذلك جاء مصدره على تقدير فعال ، كما يقال : قاتله فهو يقاتله قتالاً ، ولو كان مصدرا من خلَفه ، لكانت القراءة : «بمقعدهم خلف رسول الله » ، لأن مصدر خلفه خلفٌ ، لا خِلاف ، ولكنه على ما بينت من أنه مصدر خالف ، فقرىء : خِلافَ رَسُولِ الله وهي القراءة التي عليها قراءة الأمصار ، وهي الصواب عندنا . وقد تأوّل بعضهم ذلك ، بمعنى : بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستشهد على ذلك بقول الشاعر :

عَقَبَ الرّبِيعُ خِلافَهُمْ فَكأنمَا *** بَسَطَ الشّوَاطِبُ بَيْنَهُنّ حَصِيرَا

وذلك قريب لمعنى ما قلنا ، لأنهم قعدوا بعده على الخلاف له .

وقوله : وكَرِهُوا أنْ يُجاهِدُوا بأمُوَالِهِمْ وأنْفُسِهمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يقول تعالى ذكره : وكره هؤلاء المخلفون أن يغزوا الكفار بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله يعني : في دين الله الذي شرعه لعباده لينصروه ، ميلاً إلى الدّعَة والخَفْض ، وإيثارا للراحة على التعب والمشقة ، وشُحّا بالمال أن ينفقوه في طاعة الله . وَقالُوا لا تَنْفِرُوا في الحَرّ وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم استنفرهم إلى هذه الغزوة ، وهي غزوة تبوك في حرّ شديد ، فقال المنافقون بعضهم لبعض : لا تنفروا في الحرّ فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد نار جهنم التي أعدّها الله لمن خالف أمره وعصى رسوله ، أشدّ حرّا من هذا الحرّ الذي تتواصون بينكم أن لا تنفروا فيه . يقول : الذي هو أشدّ حرّا أحرى أن يحذر ويتقي من الذي هو أقلهما أذى . لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ يقول : لو كان هؤلاء المنافقون يفقهون عن الله وعظه ويتدبرون آي كتابه ، ولكنهم لا يفقهون عن الله ، فهم يحذرون من الحرّ أقله مكروها وأخفه أذى ، ويوافقون أشدّه مكروها وأعظمه على من يصلاه بلاء .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَرِحَ المُخَلّفُونَ بِمَقْعَدِهمْ خلافَ رَسُولِ اللّهِ . . . إلى قوله : يَفْقَهُونَ ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا معه ، وذلك في الصيف ، فقال رجال : يا رسول الله ، الحرّ شديد ولا نستطيع الخروج ، فلا تنفر في الحرّ فقال الله : قلْ نارُ جَهَنّمَ أشَدّ حَرّ لو كانوا يفقهون ) ، فأمره الله بالخروج .

17034- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتاده في قوله : ( بمقعدهم خلاف رسول الله ) ، قال : هي غزوة تبوك .

17035- حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي وغيره ، قالوا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرّ شديد إلى تبوك ، فقال رجل من بني سلمة : لا تنفروا في الحرّ فأنزل الله : قُلْ نارُ جَهَنّمَ . . . الآية .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ذكر قول بعضهم لبعض ، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد ، وأجمع السير إلى تبوك على شدّة الحرّ وجدب البلاد ، يقول الله جلّ ثناؤه : وَقَالُوا لاَ تَنْفِرُوا فِي الحرّ قُلْ نارُ جَهَنّمَ أشَدّ حَرّا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ} (81)

هذه آية تتضمن وصف حالهم على جهة التوبيخ لهم وفي ضمنها وعيد ، وقوله { المخلفون } لفظ يقتضي تحقيرهم وأنهم الذين أبعدهم الله من رضاه وهذا أمكن في هذا من أن يقال المتخلفون ، ولم يفرح إلا منافق ، فخرج من ذلك الثلاثة وأصحاب العذر{[5811]} ، و «مقعد » مصدر بمعنى القعود ، ومثله :

من كان مسروراً بمقتل مالك . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[5812]}

وقوله { خلاف } معناه بعد وأنشد أبو عبيدة في ذلك : [ الكامل ]

عقب الربيع خِلاَفُهمْ فكأنَّما*** بسط الشواطب بينهنَّ حصير{[5813]}

يريد بعدهم ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى*** تأهَّبْ لأخرى مثلَها فَكَأَنْ قدِ{[5814]}

وقال الطبري هو مصدر خالف يخالف .

قال القاضي أبو محمد : فعلى هذا هو مفعول له ، والمعنى { فرح المخلفون بمقعدهم } لخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مصدر ونصبه في القول الأول كأنه على الظرف ، وكراهيتهم «لما ذكر هي شح إذ لا يؤمنون بالثواب في سبيل الله فهم يظنون بالدنيا ، وقولهم { لا تنفروا في الحر } كان لأن غزوة تبوك كانت في وقت شدة الحر وطيب الثمار والظلال ، قاله ابن عباس وكعب بن مالك والناس ، فأقيمت عليهم الحجة بأن قيل لهم فإذا كنتم تجزعون من حر القيظ فنار جهنم التي هي أشد أحرى أن تجزعوا منها لو فهمتم ، وقرأ ابن عباس وأبو حيوة » خلف «وذكرها يعقوب ولم ينسبها وقرىء » خُلف «بضم الخاء ، ويقوي قول الطبري أن لفظة » الخلاف «هي مصدر من خالف ما تظاهرت به الروايات من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالنفر فعصوا وخالفوا وقعدوا مستأذنين .

وقال محمد بن كعب : قال { لا تنفروا في الحر } رجل من بني سلمة .

وقال ابن عباس : قال رجل يا رسول الله الحر شديد فلا تنفر في الحر ، قال النقاش : وفي قراءة عبد الله » يعلمون «بدل { يفقهون } .


[5811]:-يريد الثلاثة الذي قال الله فيهم في الآية (118) من هذه السورة: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا}، وسيأتي الحديث عنهم:
[5812]:- هذا صدر بيت، وهو بتمامه: من كان مسرورا بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار وقد سبق أن استشهد المؤلف بهذا البيت وبيت آخر بعده عند تفسير قوله تعالى في الآية (72) من سورة (آل عمران): {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره}.
[5813]:- البيت في (اللسان)، وقد نسبه للحارث بن خالد المخزومي، وذكر أن ابن بري أنشده للتدليل على أن [خلاف] في الآية بمعنى (بعد). والشواطب من النساء: اللواتي يشققن الخوص، ويقشرن العسب ليتخذن منه الحصر ثم يلقينها إلى المنقيات، والمنقية هي التي تأخذ كل شيء على العسيب بسكينها حتى تتركه رقيقا صالحا لعمل الحصر منه.
[5814]:- هذا ثاني بيتين، وأولهما: تمنى أناس أن أموت وإن أمت فتلك طريق لست فيها بأوحد وقد ذكره في اللسان غير منسوب، والرواية فيها (تهيأ) بدلا من (تأهب)، وفي "البحر" (وكأن) بدلا من (فكأن). ومثل هذا البيت والذي قبله قول مُزاحم العقيلي: وقد يفرط الجهل الفتى ثم يرعوي خلاف الصبا للجاهلين حلوم.