قوله تعالى : { أو يكون لك بيت من زخرف } أي : من ذهب ، وأصله الزينة { أو ترقى } ، تصعد { في السماء } ، هذا قول عبد الله بن أبي أمية ، { ولن نؤمن لرقيك } لصعودك { حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه } ، أمرنا فيه باتباعك { قل سبحان ربي } ، وقرأ ابن كثير وابن عامر قال : يعني محمداً ، وقرأ آخرون على الأمر ، أي : قل يا محمد { هل كنت إلا بشراً رسولاً } ، أمره بتنزيهه وتمجيده ، على معنى أنه لو أراد أن ينزل ما طلبوا لفعل ، ولكن الله لا ينزل الآيات على ما يقترحه البشر . واعلم أن الله تعالى قد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات والمعجزات ما يغني عن هذا كله مثل : القرآن ، وانشقاق القمر ، وتفجير العيون من بين الأصابع وما أشبهها ، والقوم عامتهم كانوا متعنتين لم يكن قصدهم طلب الدليل ليؤمنوا ، فرد الله عليهم سؤالهم .
{ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ } أي : مزخرف بالذهب وغيره { أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ } رقيًا حسيًا ، { و } ومع هذا ف { وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ }
ولما كانت هذه تعنتات وتعجيزات ؛ وكلام أسفه الناس وأظلمهم ، المتضمنة لرد الحق وسوء الأدب مع الله ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يأتي بالآيات ، أمره الله أن ينزهه فقال : { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي } عما تقولون علوًا كبيرًا ، وسبحانه أن تكون أحكامه وآياته تابعة لأهوائهم الفاسدة ، وآرائهم الضالة . { هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا } ليس بيده شيء من الأمر .
أو أن يكون له بيت من المعادن الثمينة . أو أن يرقى في السماء . ولا يكفي أن يعرج إليها وهم ينظرونه ، بل لا بد أن يعود إليهم ومعه كتاب محبر يقرأونه !
وتبدو طفولة الإدراك والتصور ، كما يبدو التعنت في هذه المقترحات الساذجة . وهم يسوون بين البيت المزخرف والعروج إلى السماء ! أو بين تفجير الينبوع من الأرض ومجيء الله - سبحانه - والملائكة قبيلا ! والذي يجمع في تصورهم بين هذه المقترحات كلها هو أنها خوارق . فإذا جاءهم بها نظروا في الإيمان له والتصديق به !
وغفلوا عن الخارقة الباقية في القرآن ، وهم يعجزون عن الإتيان بمثله في نظمه ومعناه ومنهجه ، ولكنهم لا يلمسون هذا الإعجاز بحواسهم فيطلبون ما تدركه الحواس !
والخارقة ليست من صنع الرسول ، ولا هي من شأنه ، إنما هي من أمر الله سبحانه وفق تقديره وحكمته . وليس من شأن الرسول أن يطلبها إذا لم يعطه الله إياها . فأدب الرسالة وإدراك حكمة الله في تدبيره يمنعان
الرسول أن يقترح على ربه ما لم يصرح له به . . )قل : سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا )يقف عند حدود بشريته ، ويعمل وفق تكاليف رسالته ، لا يقترح على الله ولا يتزيد فيما كلفه إياه .
قال المفسرون : «الزخرف » الذهب في هذا الموضع ، والزخرف ما تزين به ، كان بذهب أو غيره ، ومنه { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها }{[7710]} [ يونس : 24 ] وفي قراءة عبد الله بن مسعود «أو يكون لك بيت من ذهب » ، قال مجاهد ما كنا نعرف الزخرف حتى قرأنا في حرف عبد الله «من ذهب » ، وقوله { من السماء } يريد في الهواء علواً ، والعرب تسمي الهواء علواً سماء لأنه في حيز السمو . ويحتمل أن يريدوا السماء المعروفة ، وهو أظهر لأنه أعلمهم أن إله الخلق فيها{[7711]} وأنه تأتيه خبرها ، و { ترقى } معناه تصعد ، والرقي الصعود ، ويروى أن قائل هذه المقالة هو عبد الله بن أبي أمية ، فإنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا لا أؤمن لك حتى تأتي بكتاب أراك هابطاً به فيه من الله عز وجل إلى عبد الله بن أبي أمية ، وروي أن جماعتهم طلبت هذا النحو منه ، فأمره الله عز وجل أن يقول { سبحان ربي } أي تنزيهاً له من الإتيان مع الملائكة قبيلاً ، ومن أن يخاطبكم بكتاب كما أردتم ، ومن أن اقترح أن عليه هذه الأشياء ، وهل أنا إلا بشر منكم ، أرسلت إليكم بالشريعة ، فإنما علي التبليغ فقط ، وقرأ ابن كثير وابن عامر «قال سبحان ربي » على معنى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سبح عند قولهم ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.