معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

قوله تعالى :{ ولما بلغ أشده } ، منتهى شبابه وشدته وقوته . قال مجاهد : ثلاثا وثلاثين سنة . وقال السدي : ثلاثين سنة . وقال الضحاك : عشرين سنة . وقال الكلبي : الأشد ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة . وسئل مالك رحمه الله عن الأشد قال : هو الحلم . { آتيناه حكماً وعلماً } ، فالحكم : النبوة ، والعلم : الفقه في الدين . وقيل : حكما يعني : إصابة في القول : وعلما : بتأويل الرؤيا . وقيل : الفرق بين الحكيم والعالم ، أن العالم : هو الذي يعلم الأشياء ، والحكيم : الذي يعمل بما يوجبه العلم . { وكذلك نجزي المحسنين } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : المؤمنين . وعنه أيضا المهتدين . وقال الضحاك : الصابرين على النوائب كما صبر يوسف عليه السلام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

أي : { وَلَمَّا بَلَغَ } يوسف { أَشُدَّهُ } أي : كمال قوته المعنوية والحسية ، وصلح لأن يتحمل الأحمال الثقيلة ، من النبوة والرسالة . { آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا } أي : جعلناه نبيا رسولا ، وعالما ربانيا ، { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } في عبادة الخالق ببذل الجهد والنصح فيها ، وإلى عباد الله ببذل النفع والإحسان إليهم ، نؤتيهم من جملة الجزاء على إحسانهم علما نافعا .

ودل هذا ، على أن يوسف وفَّى مقام الإحسان ، فأعطاه الله الحكم بين الناس والعلم الكثير والنبوة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

ثم بين - سبحانه - مظهرا آخر من مظاهر إنعامه على يوسف فقال : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وكذلك نَجْزِي المحسنين } .

والأشد : قوة الإِنسان ، وبلوغه النهاية في ذلك ، مأخوذ من الشدة بمعنى القوة والارتفاع ، يقال : شد النهار إذا ارتفع .

ويرى بعضهم أنه مفرد جاء بصيغة الجمع ويرى آخرون أنه جمع لا واحد له من لفظه وقيل هو جمع شدة كأنعم ونعمة .

والمعنى : وحين بلغ يوسف - عليه السلام - منتهى شدته وقوته ، وهى السن التي كان فيها - على ما قيل - ما بين الثلاثين والأربعين .

{ آتيناه } أى : أعطيناه بفضلنا وإحساننا .

{ حكما } أى : حكمة ، وهى الإِصابة في القول والعمل أو هي النبوة .

و { علما } أى فقها في الدين ، وفهما سليما لتفسير الرؤى ، وإدراكا واسعا لشئون الدين والدنيا .

وقوله : { وكذلك نَجْزِي المحسنين } أى : ومثل هذا الجزاء الحسن والعطاء الكريم ، نعطى ونجازى الذين يحسنون أداء ما كلفهم الله - تعالى - به ، فكل من أحسن في أقواله وأعماله أحسن الله - تعالى - جزاءه .

ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك ، لتحدثنا عن مرحلة من أدق المراحل وأخطرها ، في حياة يوسف - عليه السلام - وهى مرحلة التعرض للفتن والمؤامرات بعد أن أبلغ أشده ، وآتاه الله - تعالى - حكما وعلما ، وقد واجه يوسف - عليه السلام - هذه الفتن بقلب سليم ، وخلق قويم ، فنجاه الله - تعالى - منها .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمّا بَلَغَ أَشُدّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } .

يقول تعالى ذكره : لما بلغ يوسف أشدّه ، يقول : لما بلغ منتهى شدّته وقوّته في شبابه وحده . وذلك فيما بين ثماني عشرة إلى ستين سنة ، وقيل إلى أربعين سنة ، يقال منه : مضت أشدّ الرجل : أي شدته ، وهو جمع ، مثل : الأضرّ ، والأسُرّ ، لم يسمع له بواحد من لفظه . ويجب في القياس أن يكون واحده شَدّ ، كما واحد الأضر : ضَرّ ، وواحد الأسرّ : سَرّ ، كما قال الشاعر :

هلْ غيرَ أنْ كَثُرَ الأشُدّ وأهْلَكَتْ *** حَرْبُ المُلُوكِ أكاثِرَ الأمْوَالِ

وقال حميد :

وَقد أتى لَوْ تُعْتِبُ العَوَاذِلُ *** بَعْدَ الأشُدّ أرْبَعٌ كَوَامِلُ

وقد اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله به في هذا الموضع من مبلغ الأشدّ ، فقال بعضهم : عُني به : ثلاث وثلاثون سنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع والحسن بن محمد ، قالا : حدثنا عمرو بن محمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { ولَمّا بَلَغَ أشُدّهُ } ، قال : ثلاثا وثلاثين سنة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله .

حُدثت عن عليّ بن الهيثم ، عن بشر بن المفضل ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن مجاهد ، قال : سمعت ابن عباس ، يقول في قوله : { ولَمّا بَلَغَ أشُدّهُ } ، قال : بضعا وثلاثين سنة .

وقال آخرون : بل عُني به : عشرون سنة . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن عليّ بن المسيب ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، في قوله : { ولَمّا بَلَغَ أشُدّهُ } ، قال : عشرين سنة .

ورُوي عن ابن عباس من وجه غير مرضيّ أنه قال : ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين . وقد بيّنت معنى الأشدّ .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله أخبر أنه آتى يوسف لما بلغ أشدّه حكما وعلما . والأشُدّ : هو انتهاء قوّته وشبابه . وجائز أن يكون آتاه ذلك وهو ابن ثماني عشرة سنة ، وجائز أن يكون آتاه وهو ابن عشرين سنة ، وجائز أن يكون آتاه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، ولا دلالة في كتاب الله ، ولا أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا في إجماع الأمة ، على أيّ ذلك كان . وإذا لم يكن ذلك موجودا من الوجه الذي ذكرت ، فالصواب أن يقال فيه كما قال عزّ وجلّ ، حتى تثبت حجة بصحة ما قيل في ذلك من الوجه الذي يجب التسليم له ، فيسلم لها حينئذ .

وقوله : { آتَيْناهُ حُكْما وَعِلْما } ، يقول تعالى ذكره : أعطيناه حينئذ الفهم والعلم . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { حُكْما وَعِلْما } ، قال : العقل والعلم قبل النبوّة .

وقوله : { وكذلكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ } ، يقول تعالى ذكره : وكما جزيت يوسف ، فآتيته- بطاعته إياي- الحكمَ والعلم ، ومكنته في الأرض ، واستنقذته من أيدي إخوته الذين أرادوا قتله ، كذلك نجزي من أحسن في عمله ، فأطاعني في أمري ، وانتهى عما نهيته عنه من معاصيّ .

وهذا وإن كان مخرَج ظاهره على كلّ محسن ، فإن المراد به محمد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم . يقول له عزّ وجلّ : كما فعلتُ هذا بيوسف من بعد ما لقي من إخوته ما لقي ، وقاسى من البلاء ما قاسى ، فمكنته في الأرض ، ووطّأت له في البلاد ، فكذلك أفعل بك ، فأنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة ، وأمكن لك في الأرض ، وأوتيك الحكم والعلم ، لأن ذلك جزائي أهلَ الإحسان في أمري ونهيي .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : { وكذلكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ } ، يقول : المهتدين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

هذا إخبار عن اصطفاء يوسف عليه السّلام للنبوءة . ذكر هنا في ذكر مبدأ حلوله بمصر لمناسبة ذكر منّة الله عليه بتمكينه في الأرض وتعليمه تأويل الأحاديث .

والأشدُّ : القوة . وفسر ببلوغه ما بين خمس وثلاثين سنة إلى أربعين .

والحكم والحكمة مترادفان ، وهو : علم حقائق الأشياء والعمل بالصالح واجتناب ضده . وأريد به هنا النبوءة كما في قوله تعالى في ذكر داود وسليمان عليهما السّلام { وكلاً آتينا حكماً وعلماً } [ سورة الأنبياء : 79 ] . والمراد بالعلم علم زائد على النبوءة .

وتنكير { علماً } للنوعية ، أو للتعظيم . والمراد : علم تعبير الرؤيا ، كما سيأتي في قوله تعالى عنه : { ذلكما ممّا علّمني ربي } [ سورة يوسف : 37 ] .

وقال فخر الدين : الحكم : الحكمةُ العملية لأنها حكمٌ على هدى النفس . والعلمُ : الحكمةُ النظرية .

والقول في { وكذلك نجزي المحسنين } كالقول في نظيره ، وتقدم عند قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً } في سورة البقرة ( 143 ) .

وفي ذكر { المحسنين } إيماء إلى أنّ إحسانه هو سبب جزائه بتلك النعمة .

وفي هذا الذي دبّره الله تعالى تصريح بآية من الآيات التي كانت في يوسف عليه السّلام وإخوته .