الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

قوله تعالى : { أَشُدَّهُ } : فيه ثلاثة أقوال ، أحدها : وهو قول سيبويه أنه جمعٌ مفردُه " شِدَّة " نحو : نِعْمة وأنْعُم . الثاني : قول الكسائي : أن مفردَه " شَدّ " بزنةِ فَعْل نحو صَكّ وأصُكّ ، ويؤيِّده قولُ الشاعر :

2762 عَهْدي به شَدَّ النهارِ كأنما *** خُضِبَ البَنانُ ورأسُه بالعِظْلِمِ

/ الثالث : أنه جمعٌ لا واحدَ له من لفظه قاله أبو عبيدة ، وخالفه الناسُ في ذلك ، إذ قد سمع " شدَّة " و " شَدَ " وهما صالحان له وهو مِن الشَّدِّ وهو الربطُ على الشيء والعقدُ عليه . قال الراغب : " وقولُه تعالى { حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } فيه تنبيهُ أن الإِنسان إذا بلغ هذا القَدْرَ يتقوَّى خُلُقُه الذي هو عليه فلا يكاد يزايله ، وما أحسنَ ما تنبَّه له الشاعرُ حيث يقول :

2763 إذا المَرْءُ وافى الأربعينَ ولم يكنْ *** له دونَ ما يَهْوى حَياءٌ ولا سِتْرُ

فَدَعْه ولا تَنْفِسْ عليه الذي مضى *** وإنْ جَرَّ أسبابَ الحياةِ له العُمْرُ

وقوله : { وَكَذَلِكَ } إمَّا نعتٌ لمصدر محذوف أو حالٌ من ضمير المصدر وتقدَّم نظائره .