إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أي منتهى اشتدادِ جسمه وقوتِه وهو سنُّ الوقوف ما بين الثلاثين إلى الأربعين ، وقيل : سنُّ الشباب ومبدأ بلوغِ الحُلُم والأولُ هو الأظهرُ لقوله تعالى : { أتيناه حُكْمًا } حِكمةً وهو العلم المؤيَّدُ بالعمل أو حكماً بين الناس وفقهاً أو نبوة { وَعِلْماً } أي تفقهاً في الدين ، وتنكيرُهما للتفخيم أي حكماً وعلماً لا يُكتنه كُنهُهما ولا يقادَرُ قدرُهما فهما ما آتاه الله تعالى عند تكاملِ قُواه سواءٌ كانا عبارةً عن النبوة والحُكم بين الناس أو غيرِهما ، كيف لا وقد جُعل إيتاؤهما جزاءً لعمله عليه السلام حيث قيل : { وكذلك } أي مثلَ الجزاءِ العجيب { نَجْزِى المحسنين } أي كلَّ من يُحسِن في عمله فيجب أن يكون ذلك بعد انقضاءِ أعمالِه الحسنةِ التي من جملتها معاناةُ الأحزان والشدائدِ ، وقد فُسّر العلمُ بعلم تأويلِ الأحاديث ، ولا صحةَ له إلا أن يُخَصَّ بعلم تأويلِ رؤيا الملِك فإن ذلك حيث كان عند تناهي أيامِ البلاءِ صحّ أن يُعدَّ إيتاؤُه من جملة الجزاء ، وأما رؤيا صاحبَي السجن فقد لبث عليه السلام بعد تعبيرِها في السجن بضعَ سنين . وفي تعليق الجزاءِ المذكورِ بالمحسنين إشعارٌ بعلّية الإحسان له وتنبيهٌ على أنه سبحانه إنما آتاه ما آتاه لكونه محسناً في أعماله متّقياً في عنفوان أمرِه { هَلْ جَزَاء الإحسان إِلاَّ الإحسان } [ الرحمن ، الآية 60 ] .