الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

قوله تعالى : " ولما بلغ أشده " " أشده " عند سيبويه جمع ، واحده شدة . وقال الكسائي : واحده شد ، كما قال الشاعر{[9030]} :

عهدي به شَدَّ النهار كأنما *** خُضِبَ اللَّبانُ ورأسُه بالعِظْلَمِ

وزعم أبو عبيد أنه لا واحد له من لفظه عند العرب ، ومعناه استكمال القوة ثم يكون النقصان بعد . وقال مجاهد وقتادة : الأشد ثلاث وثلاثون سنة . وقال ربيعة وزيد بن أسلم ومالك بن أنس : الأشد بلوغ الحلم ، وقد مضى ما للعلماء في هذا في " النساء " {[9031]} و " الأنعام " {[9032]} مستوفى . " آتيناه حكما وعلما " قيل : جعلناه المستولي على الحكم ، فكان يحكم في سلطان الملك ؛ أي وآتيناه علما بالحكم . وقال مجاهد : العقل والفهم والنبوة . وقيل : الحكم النبوة ، والعلم علم الدين ، وقيل : علم الرؤيا ، ومن قال : أوتي النبوة صبيا قال : لما بلغ أشده زدناه فهما وعلما . " وكذلك نجزي المحسنين " يعني المؤمنين . وقيل : الصابرين على النوائب كما صبر يوسف ، قاله الضحاك . وقال الطبري : هذا وإن كان مخرجه ظاهرا على كل محسن فالمراد به محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى : كما فعلت هذا بيوسف بعد أن قاسى ما قاسى ثم أعطيته ما أعطيته ، كذلك أنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة ، وأمكن لك في الأرض .


[9030]:هو عنترة العبسي . وشد النهار: أي أشده، يعني أعلاه. واللبان: الصدر، وقيل: وسطه، وقيل: ما بين الثديين، ويروى: "البنان". والعظلم عصارة شجر أو نبت يصبغ به، أو الوسمة، وهي شجرة ورقها خضاب.
[9031]:راجع ج 5 ص 34 فما بعد.
[9032]:راجع ج 7 ص 134 فما بعد.