قوله تعالى : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } الآية لما بيَّن تعالى أن إخوته لمَّا أساءوا إليه ثمَّ صبر على تلك الإساءة ، والشَّدائد مكَّنهُ اللهُ في الأرض ، ثم لما بلغ أشدهُ آتاه اللهُ الحكم ، والعلم ، والمقصود أن جميع ما قام به من النِّعمِ كان جزاء على صبره .
قوله : " أشدَّهُ " فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : وهو قولُ سيبويه : أنَّهُ جمع مفرده شدَّة ، نحو نعمة وأنعم .
الثاني : قول الكسائي أنَّ " أشدّه " مفردة : " شدَّ " بزنة " فعل " نحو : " صَكَّ " ، وأصكَّ " ويؤيدهُ قول الشاعر : [ الكامل ]
3073 عَهْدِي بِهَا شدَّ النَّهارُ كأنَّما *** خُضِبَ البَنَانُ ورَأسهُ بالعِظْلِم
والثالث : أنه جمعٌ لا واحد له من لفظه ، قاله أبو عبيدة ، وخالفه الناس في ذلكن وقد سمع " شدَّه وشُدَّ " وهما صالحانِ له ، وهو من الشدِّ ، وهو الرَّبطُ على الشيء ، والعقد عليه .
قال الراغب : وقوله تعالى : { حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } [ الأحقاف : 15 ] فيه تنبيهٌ على أنَّ الإنسان ، إذا بلغ هذا القرار استوى خلقه الذي هو عليه ، فلا يكادُ يزايله ، ما أحسن ما [ نبه له ] الشاعر حين قال : [ الطويل ]
3074 إذَا المَرْءُ وافَي الأرْبعينَ ولمْ يَكُنْ *** لَهُ دُونَ ما يَهْوَى حَياءُ و لا سِتْرُ
فَدعْهُ ولا تَنفِسْ عَليْهِ الَّذي مَضَى *** وإنْ جَرَّ أسَبابَ الحَياةِ لهُ العُمْرُ
والأّشدَّ : منتهى شبابه ، وشدَّته ، وقوَّته . قال مجاهدٌ عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما : ثلاثاً وثلاثين سنة . وقال السديُّ : ثلاثين سنة وقال الضحاكُ : " عشرين سنة " وقال الكلبيُّ : ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة .
وسئل مالكٌ رضي الله عنه عن الأشد قال : هو الحلم ، وقد تقدَّم الكلامُ على الأشد في سورة الأنعام عند قوه : { حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } [ الأنعام : 152 ] .
قوله : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً } فالحُكْمُ : النبوةُ ، والعلمُ : التفقَهُ في الدِّين ، وقيل : يعني : إصابة في القول ، وعلماً [ بتفاصيل ] الرُّؤيا . وقيل : الفرقُ بين الحكيمِ والعالمِ : أن العالم هو الذي يعلم الأشياء ، والحكيمُ : الذي يَحكمُ بما يوجبه العلمُ .
قوله : " وكَذِلكَ " إمَّا نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ ، أو حالٌ من ضمير المصدر ، وتقدَّم نظائره .
{ نَجْزِي المحسنين } قال ابنُ عبًّاسٍ رضي الله عنهما : المؤمنين ، وعنه أيضاً : المهتدين . وقال الضحاك : الصَّابرين على النَّوائب كما صبر يوسفُ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.