غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

21

ثم إنه سبحانه بين وقت استكمال أمره فقال :{ ولما بلغ أشدّة } قيل في الأشد ثماني عشرة سنة وعشرون ، وثلاث وثلاثون وأربعون إلى ثنتين وستين { آتيناه حكماً وعلماً } فالحكم الحكمة العملية والعلم الحكمة النظرية ، وإنما قدمت العملية لأن أصحاب الرياضيات والمجاهدات يصلون أوّلاً إلى الحكمة العملية ثم إلى العلم اللدني بخلاف أصحاب الأفكار والأنظار ، والأول هو طريقة يوسف لأنه صبر على البلاء ، والمحن ففتح عليه أبواب المكاشفات ، وقيل : الحكم النبوّة لأن النبي حاكم على الخلق والعلم علم الدين . وقيل : الحكم صيرورة نفسه المطمئنة حاكمة على النفس الأمارة قاهرة لها ، فحينئذٍ تفيض الأنوار القدسية والأضواء الإلهية من عالم القدس على جوهر النفس . والتحقيق في هذا الباب أن استكمال النفس الناطقة إنما يتيسر بواسطة استعمال الآلات الجسدانية ، وفي أوان الصغر تكون الرطوبات مستولية عليها فتضعف تلك الآلات ، فإذا كبر الإنسان واستولت الحرارة الغريزية على البدن نضجت تلك الرطوبات وقلت واعتدلت فصارت الآلات صالحة لأن تستعملها النفس الإنسانية في تحصيل المعارف واكتساب الحقائق . فقوله { ولما بلغ أشده } إشارة إلى اعتدال الآلات البدنية ، وقوله : { آتيناه حكماً وعلماً } إشارة إلى استكمال النفس الناطقة وقوة لمعان الأضواء القدسية فيها . قال في الكشاف : { وكذلك نجزي المحسنين } فيه تنبيه على أنه كان محسناً في عمله متقياً في عنفوان أمره ، وأن الله آتاه الحكم والعلم جزاء على إحسانه . واعترض عليه بأن النبوة غير مكتسبة . والحق أن الكل بفضل الله ورحمته ولكن للوسائط والمعدات مدخل عظيم في كل ما يصل إلى الإنسان من الفيوض والآثار ، فالأنوار السابقة تصير سبباً للأضواء اللاحقة وهلم جراً . عن الحسن : من أحسن عبادة ربه في شبيبته آتاه الله الحكمة في اكتهاله .

/خ35