السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

ولما بين تعالى أنّ إخوته أساؤوا إليه وصبر على تلك الشدائد والمحن ومكنه في الأرض اتبعه الأمر بتمام النعمة عليه بقوله تعالى : { ولما بلغ أشدّه } ، أي : منتهى شبابه وقوّته وشدّته تقول العرب : بلغ فلان أشدّه إذا انتهى منتهاه في شبابه وقوّته ، وهذا اللفظ مستعمل في الواحد والجمع يقال : بلغ فلان أشدّه وبلغوا أشدّهم وهو ثلاث وثلاثون سنة . وقال السدي : بلغ ثلاثين سنة ، وقال الضحاك : عشرين سنة . وقال الكلبي : الأشد ما بين ثمانية عشر إلى ثلاثين ، وقيل : أقصاه اثنان وستون سنة . قال الأطباء : إنّ الإنسان يحدث في أوّل الأمر ويتزايد كل يوم شيئاً فشيئاً إلى أن ينتهي إلى غاية الكمال ، ثم يأخذ في التراجع إلى أن ينتهي إلى العدم والمحاق كالقمر . { آتيناه حكما } ، أي : حكمة وهو العلم المؤيد بالعمل أو حكماً بين الناس { وعلماً } ، أي : علم تأويل الأحاديث ، وقيل : المراد بالحكم النبوّة والرسالة .

وتقدّم أنّ قوله تعالى : { وأوحينا } أنه وحي حقيقة . قال الرازي : فلا يبعد أن يقال : إنّ ذلك الوحي إليه في ذلك الوقت لا لأجل بعثته إلى الخلق بل لأجل تقوية قلبه وإزالة الحزن عن صدره ؛ ولأجل أن يستأنس بحضور جبريل عليه السلام { وكذلك } ، أي : ومثل ذلك الجزاء الذي جزيناه به { نجزي المحسنين } قال ابن عباس : يعني المؤمنين ، وعنه أيضاً يعني المهتدين ، وقال الضحاك : يعني الصابرين على النوائب كما صبر يوسف عليه السلام . وعن الحسن : من أحسن عبادة ربه في شبيبته آتاه الله الحكمة في اكتهاله .