فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

قوله : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ اتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا } الأشدّ . قال سيبويه : جمع واحدة شدّة . وقال الكسائي : واحده شدّ . وقال أبو عبيد : إنه لا واحد له من لفظه عند العرب ، ويردّه قول الشاعر :

عَهدي به شدَّ النهارِ كأنما *** خُضِبَ البنانَ ورأسه بالعظْلم

والأشدّ : هو وقت استكمال القوة ، ثم يكون بعده النقصان . قيل : هو ثلاث وثلاثون سنة ، وقيل بلوغ الحلم ، وقيل : ثماني عشرة سنة ، وقيل غير ذلك مما قد قدمنا بيانه في النساء والأنعام . والحكم : هو ما كان يقع منه من الأحكام في سلطان ملك مصر ، والعلم : هو العلم بالحكم الذي كان يحكمه ؛ وقيل : العقل والفهم والنبوّة ؛ وقيل : الحكم هو النبوّة ، والعلم : هو العلم بالدين . وقيل : علم الرؤيا . ومن قال : إنه أوتي النبوة صبياً قال : المراد بهذا الحكم والعلم الذي آتاه الله هو الزيادة فيهما . { وَكَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين } أي : ومثل ذلك الجزاء العجيب نجزي المحسنين ، فكل من أحسن في عمله أحسن الله جزاءه ، وجعل عاقبة الخير من جملة ما يجزيه به ، وهذا عام يدخل تحته جزاء يوسف على صبره الحسن دخولاً أولياً ، قال الطبري : هذا وإن كان مخرجه ظاهراً على كل محسن فالمراد به محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى كما فعل هذا بيوسف ثم أعطيته ما أعطيته كذلك أنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة وأمكن لك في الأرض . والأولى ما ذكرناه من حمل العموم على ظاهره فيدخل تحته ما ذكره ابن جرير الطبري .

/خ22