فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (22)

{ ولما بلغ أشده } قال سيبويه : الأشد جمع واحدة شدة نحو نعمة وأنعم وقال الكسائي : واحدة شد بزنة قفل وقال أبو عبيد : أنه جمع لا واحد له من لفظه عند العرب وخالفه الناس في ذلك وهو من الشد وهو الربط على الشيء والعقد عليه والأشد هو وقت استكمال القوة ثم يكون بعده النقصان قيل هو ثلاث وثلاثون سنة قاله ابن عباس وقيل ثماني عشرة سنة قاله سعيد ابن جبير وقيل خمس وعشرون سنة قاله عكرمة وقيل أربعون سنة قاله الحسن وقيل الثلاثون سنة قاله السدي وقيل بلوغ الحلم وبه قال ربيعة والشعبي وقيل عشرون سنة قاله الضحاك وقيل غير ذلك مما قد قدمنا في النساء والأنعام .

قال الراغب : وفيه تنبيه على أن الإنسان إذا بلغ هذا القدر يتقوى خلقه الذي هو عليه فلا يكاد يزايله ولم يقل هنا واستوى كما قال في شأن موسى في سورة القصص لأن موسى كان قد بلغ أربعين سنة وهي مدة النبوة فقد استوى وتهيأ لحمل أعباء الرسالة وأسرار النبوة وأما يوسف فلم يكن إذ ذاك بلغ هذا السن .

{ آتيناه حكما } هو ما كان يقع منه من الأحكام في سلطان ملك مصر { وعلما } هو العلم بالحكم الذي كان يحكمه وقيل العقل والفهم والنبوة والفقه قاله مجاهد وقيل الحكم هو النبوة والعلم وهو العلم بالدين وقيل علم الرؤيا ومن قال أنه أوتي النبوة صبيا قال المراد بهذا الحكم والعلم اللذين آتاهما الله هو الزيادة فيهما .

{ وكذلك } أي مثل ذلك الجزاء العجيب { نجزي المحسنين } فكل من أحسن في عمله أحسن الله جزاؤه وجعل عاقبته الخير من جملة ما يجزيه به ، وهذا عام يدخل تحته جزاء يوسف على صبره الحسن دخولا أوليا .

قال الطبري : هذا وإن كان مخرجه ظاهرا على كل محسن فالمراد به محمد صلى الله عليه وسلم يقول الله كما فعل هذا بيوسف ثم أعطيته ما أعطيته كذلك أنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة وأمكن لك في الأرض والأولى ما ذكرناه من حمل العموم على ظاهره فيدخل تحته ما ذكره ابن جرير الطبري وقيل معنى المحسنين المؤمنين وقيل الصابرين على النوائب قاله الضحاك وقيل المهتدين .