معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ} (43)

{ يوم يخرجون من الأجداث } أي : القبور ، { سراعاً } إلى إجابة الداعي ، { كأنهم إلى نصب } قرأ ابن عامر ، وحفص : { نصب } بضم النون والصاد ، وقرأ الآخرون بفتح النون وسكون الصاد ، يعنون إلى شيء منصوب ، يقال : فلان نصب عيني . وقال الكلبي : إلى علم وراية . ومن قرأ بالضم ، قال مقاتل والكسائي : يعني إلى أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله . قال الحسن : يسرعون إليها أيهم يتسلمها أولاً ، { يوفضون } أي : يسرعون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ} (43)

ثم ذكر حال الخلق حين يلاقون يومهم{[1235]}  الذي يوعدون ، فقال : { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ } أي : القبور ، { سِرَاعًا } مجيبين لدعوة الداعي ، مهطعين إليها { كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } أي : [ كأنهم إلى علم ] يؤمون ويسرعون{[1235]}  أي : فلا يتمكنون من الاستعصاء للداعي ، والالتواء لنداء المنادي ، بل يأتون أذلاء مقهورين للقيام بين يدي رب العالمين .


[1235]:- في ب: ويقصدون.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ} (43)

وقوله { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث سِرَاعاً } بدل من { يَوْمَهُمُ } . والأجداث جمع جدث - بفتح الجيم الدال - وهو القبر . أى : اتركهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم المحتوم . وهو اليوم الذى يخرجون فيه من قبورهم مسرعين إلى الداعى .

{ كَأَنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } والنصب - بضمتين - حجارة كانوا يعظمونها . وقيل : هى الأصنام ، وسميت بذلك لأنهم كانوا ينصبونها ويقيمونها للعبادة .

{ يُوفِضُونَ } أى : يسرعون . يقال : وفَض فلان يفِض وفْضاً - كوعد - إذا أسرع فى سيره . أى : يخرجون من قبورهم مسرعين إلى الداعى ، مستبقين إليه ، كما كانوا فى الدنيا يسرعون نحو أصنامهم وآلهتهم لكى يستلموها ، ويلتمسوا منها الشفاعة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ} (43)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنّهُمْ إِلَىَ نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } .

وقوله : يَوْمَ يَخْرُجُونَ بيان وتوجيه عن اليوم الأوّل الذي في قوله : يَوْمُهُمُ الّذِي يوعَدُونَ وتأويل الكلام : حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدونه يوم يخرجون مِن الأجداث وهي القبور : واحدها جدث سِرَاعا كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْداثِ سِرَاعا : أي من القبور سراعا .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

وقد بيّنا الجدث فيما مضى قبل بشواهده ، وما قال أهل العلم فيه .

وقوله : إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ يقول : كأنهم إلى عَلَم قد نُصب لهم يستبقون . وأجمعت قرّاء الأمصار على فتح النون من قوله : «نَصْبٍ » غير الحسن البصري ، فإنه ذكر عنه أنه كان يضمها مع الصاد وكأن من فتحها يوجه النصب إلى أنه مصدر من قول القائل : نصبت الشيء أنصبه نصبا . وكان تأويله عندهم : كأنهم إلى صنم منصوب يسرعون سعيا . وأما من ضمها مع الصاد فأنه يوجهه إلى أنه واحد الأنصاب ، وهي آلهتهم التي كانوا يعبدونها .

وأما قوله : يُوفِضُونَ فإن الإيفاض : هو الإسراع ومنه قول الشاعر :

لأَنْعَتَنْ نَعامَةً مِيفاضَا *** خَرْجاءَ تَغْدو تطْلُبُ الإضَاَضَا

يقول : تطلب ملجأً تلجأ إليه والإيفاض : السرعة وقال رؤبة :

*** تَمْشِي بنا الجِدّ على أوْفاضٍ ***

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن أبي العالية ، أنه قال في هذه الاَية كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى علامات يستبقون .

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى علم يسعون .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يُوفِضُونَ قال : يستبقون .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى علم يسعون .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى عَلَم يوفضون ، قال : يسعون .

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عمر يقول : سمعت يحيى بن أبي كثير يقول : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى غاية يستبقون .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ إلى علم ينطلقون .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : إلى علم يستبقون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : النصب : حجارة كانوا يعبدونها ، حجارة طوال يقال لها نصب . وفي قوله يوفِضُونَ قال : يُسرعون إليه كما يُسرعون إلى نصب يوفضون قال ابن زيد : والأنصاب التي كان أهل الجاهلية يعبدونها ويأتونها ويعظمونها ، كان أحدهم يحمله معه ، فإذا رأى أحسن منه أخذه ، وألقى هذا ، فقال له : كَلّ عَلىَ مَوْلاهُ أيْنَما يُوَجّهْهُ لا يأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلىَ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا مرّة ، عن الحسن ، في قوله : كأنّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال : يبتدرون إلى نصبهم أيهم يستلمه أوّل .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، قال : حدثنا قرّة ، عن الحسن ، مثله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ} (43)

وإضافة ( يوم ) إلى ضميرهم لأدنى ملابسة .

وقرأ الجمهور { يلاقوا } بألف بعد اللام من الملاقاة . وقرأه أبو جعفر بدون ألف من اللقاء .

واللقاء : مجاز على كل تقدير : فعلى قراءة الجمهور هو مجاز من جهتين لأن اليوم لا يَلقى ولا يُلقى . وعلى قراءة أبي جعفر هو مجاز من جهة واحدة لأن اللقاء إنما يقع بين الذَّوات .

و { يوم يخرجون من الأجداث } بدل من { يومَهم } ليس ظرفاً .

والخروج : بروز أجسادهم من الأرض .

وقرأ الجمهور { يخرجون } بفتح التحتية على البناء للفاعل . وقرأه أبو بكر عن عاصم بضمها على البناء للمفعول .

و { الأجداث } : جمع جدث بفتحتين وهو القبر ، والقبر : حفير يجعل لمواراة الميت .

وضمير { يخرجون } عائد إلى المشركين المخبر عنه بالأخبار السابقة . وجميعهم قد دفنوا في قبور أو وضعوا في قليب بدر .

والنَّصْب بفتح فسكون : الصنم ، ويقال : نُصُب بضمتين ، ووجه تسميته نصباً أنه ينصب للعبادة ، قال الأعشى :

وذا النُصُبَ المنصوبَ لا تنسكنه *** ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا

و { يوفِضون } مضارع أوفض ، إذا أسرع وعدا في سيره ، أي كأنهم ذاهبون إلى صنم ، شُبه إسراعهم يوم القيامة إلى الحشر بإسراعهم في الدنيا إلى الأصنام لزيارتها لأن لهذا الإِسراع اختصاصاً بهم ، وفي هذا التشبيه إدماج لتفظيع حالهم في عبادة الأصنام وإيماء إلى أن إسراعهم يوم القيامة إسراع دعَ ، ودفع جزاء على إسراعهم للأصنام .

وقرأ الجمهور { نَصْب } بفتح النون وسكون الصاد . وقرأه ابن عامر وحفص عن عاصم بضم النون والصاد .