اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ} (43)

ثُمَّ ذكر ذلك اليوم فقال :

{ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث } ، يجوز أن يكون بدلاً من «يومهم » أو منصوب بإضمار «أعني » .

ويجوز على رأي الكوفيين أن يكون خبر ابتداءٍ مضمر ، وبني على الفتح ، وإن أضيف إلى معرب ، أي : هو يوم يخرجون ، كقوله : { هذا يَوْمُ يَنفَعُ }[ المائدة : 119 ] . وتقدم الكلام عنه مشبعاً .

والعامة : على بناء «يَخْرجُونَ » للفاعل .

وقرأ السلميُّ والمغيرة{[57961]} ، وروي عن عاصمٍ : بناؤه للمفعول .

قوله : «سِراعاً » ، حال من فاعل «يَخْرجُونَ » ، جمعُ سِرَاع ك «ظِرَاف » في «ظَريف » ، و «كأنَّهُمْ » حال ثانية منه ، أو حال من ضمير الحال ، فتكونُ متداخلة .

والأجداثُ : القبور ، ونظيره : { فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } [ يس : 51 ] ، أي : سِرَاعاً إلى إجابة الدَّاعي .

قوله : { إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } . متعلق بالخبر .

والعامَّة : على «نَصْبٍ » بالفتح ، وإسكان الصاد .

وابن عامر وحفص : بضمتين{[57962]} .

وأبو عمران [ الجوني ]{[57963]} ومجاهد : بفتحتين .

والحسن وقتادة وعمرو بن ميمون وأبو رجاء وغيرهم{[57964]} : بضم النون ، وإسكان الصاد .

فالأولى : هو اسم مفرد بمعنى العلمِ المنصوب الذي يُسْرعُ الشخصُ نحوه .

وقال أبو عمرو : هو شَبكةُ الصَّائدِ ، يُسْرِع إليها عند وقوع الصيد فيها مخافة انفلاته .

وأمَّا الثانية ، فتحتملُ ثلاثة أوجهٍ :

أحدها : أنه اسم مفرد بمعنى الصنم المنصوب للعبادة .

وأنشد للأعشى : [ الطويل ]

4874 - وذَا النُّصُبِ المَنْصُوبِ لا تَعْبُدَنَّهُ***لِعاقِبَةٍ واللَّهَ ربَّك فاعْبُدَا{[57965]}

يعني : إيَّاك وذا النُّصُبِ .

الثاني : إنَّه جمعُ «نِصَاب » ك «كُتُب » و «كِتَاب » .

الثالث : أنَّه جمع «نَصْب » نحو : «رَهْن ورُهُن ، وسَقْف وسُقُف » وهذا قول أبي الحسن .

وجمع الجمع : أنصاب .

وقال النحاسُ : وقيل : نُصُبٌ ونَصْبٌ ، بمعنى واحد ، كما قيل : عُمْر وعُمُر وأسُد وأسْد جمع أسَد .

وأما الثالثة : ففعلٌ بمعنى مفعول ، أي : منصوب كالقَبضِ والنَّقضِ .

والرابعة : تخفيفٌ من الثانية ، والنصب أيضاً : الشر والبلاء ، ومنه قوله تعالى : { أَنِّي مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ }[ ص : 41 ] .

فصل في معنى قوله : نصب

قال ابن عباس : «إلى نصب » ، أي إلى غاية ، وهي التي ينتهي إليها بصرُك{[57966]} .

وقال الكلبيُّ : هو شيءٌ منصوب علمٌ أو رايةٌ{[57967]} .

وقال الحسنُ : كانوا يبتدرون إذا طلعت الشمسُ إلى نصبهم التي كانوا يعبدونها من دون الله لا يلوي أوَّلهم على آخرهم{[57968]} .

و «يُوفضُونَ » : يُسْرعُونَ .

وقيل : يستبقون .

وقيل : يسعون .

وقيل : ينطلقون ، وهي متقاربة ، والإيفاض : الإسراع ؛ قال الشاعر : [ المتقارب ]

4875 - فَوَارسُ ذبْيانَ تَحْتَ الحَدِي***دِ كالجِنِّ يُوفِضْنَ منْ عَبْقَرِ{[57969]}

وعبقر : موضع تزعم العرب أنه من أرض الجنِّ ؛ قال لبيد : [ الطويل ]

4876 - . . . *** كُهُولٌ وشُبَّانٌ كجِنَّةِ عَبقَرِ{[57970]}

وقال الآخر : [ الرجز ]

4877 - لأنْعَتَنْ نَعَامَةً مِيفَاضَا{[57971]} *** . . .

وقال الليثُ : وفضَتِ الإبل تَفضِي وفُضاً ، وأوفضها صاحبُها ، فالإيفاض متعد ، والذي في الآية لازم يقال : وفض وأوفض ، واستوفض بمعنى : أسْرَع .


[57961]:ينظر: السابق.
[57962]:ينظر: السبعة 651، والحجة 6/322، 323، وإعراب القراءات 2/393-394.
[57963]:ينظر: المحرر الوجيز 5/371، والبحر المحيط 8/330، والدر المصون 6/380.
[57964]:ينظر السابق.
[57965]:تقدم.
[57966]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/192).
[57967]:ينظر المصدر السابق.
[57968]:ينظر المصدر السابق.
[57969]:ينظر القرطبي 18/192، والبحر 3308، والدر المصون 6/381.
[57970]:عجز بيت وصدره: ومن غاد من إخوانهم وبنيهم *** ... ينظر ديوانه (54)، ولسان العرب (عبقر)، والصحاح (عبقر).
[57971]:ينظر البحر 8/330، والدر المصون 6/381.