{ قيل يا نوح اهبط } انزل من السفينة ، { بسلام منا } ، أي بأمن وسلامة منا ، { وبركات عليك } ، البركة هي : ثبوت الخير ، ومنه : بروك البعير . وقيل : البركة هاهنا هي : أن الله تعالى جعل ذريته هم الباقين إلى يوم القيامة ، { وعلى أمم ممن معك } ، أي : على ذرية أمم ممن كان معك في السفينة ، يعني على قرون تجيء من بعدك ، من ذرية من معك ، من ولدك وهم المؤمنون ، قال محمد بن كعب القرظي : دخل فيه كل مؤمن إلى قيام الساعة { وأمم سنمتعهم } ، هذا ابتداء ، أي : أمم سنمتعهم في الدنيا ، { ثم يمسهم منا عذاب أليم } ، وهم الكافرون وأهل الشقاوة .
{ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ } من الآدميين وغيرهم من الأزواج التي حملها معه ، فبارك الله في الجميع ، حتى ملأوا أقطار الأرض ونواحيها .
{ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ } في الدنيا { ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : هذا الإنجاء ، ليس بمانع لنا من أن من كفر بعد ذلك ، أحللنا به العقاب ، وإن متعوا قليلا ، فسيؤخذون بعد ذلك .
قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعد ما قص عليه هذه القصة المبسوطة ، التي لا يعلمها إلا من منَّ عليه برسالته .
ثم بشر - سبحانه - نبيه نوحا - عليه السلام - بقبول توبته فقال : { قِيلَ يانوح اهبط بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وعلى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ . . }
والسلام : التحية المقرونة بالأمان والاطمئنان ، وأصله السلامة ، والباء فيه للمصاحبة والبركات . جمع بركة وهى ثبوت الخير ونماؤه وزيادته ، واشتقاقها من البرك ، وهو صدر البعير . يقال : برك البعير إذا ألقى بركه أى صدره على الأرض وثبت . ومنه البركة لثبوت الماء فيها .
والأمم : جمع أمة ، وهى الجماعة الكثيرة من الناس ، يجمعها نسب واحد أو لغة واحدة ، أو موطن واحد .
أى : قال الله - تعالى - مبشرا نوحا - عليه السلام - بقبول توبته : يا نوح اهبط من السفينة مصحوبا منا بالأمان مما تكره ، وبالخيرات والنعم الثابتة عليك ، وعلى أمم متشعبة ومتفرعة وناشئة من الأمم المؤمنة التى ستهبط معك ، بعد أن أنجاكم الله - تعالى - بفضله ورحمته من العذاب ، الذى حل بالكافرين من قومك .
وكان مقتضى الظاهر أن يقال : قال يا نوح اهبط بسلام . . ولكن جاء التعبير بقيل ، مسايرة للتعبيرات السابقة فى أجزاء القصة ، مثل قوله - سبحانه - { وَقِيلَ ياأرض ابلعي مَآءَكِ . . . } وقوله : { وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظالمين } وقوله : { اهبط بِسَلاَمٍ . . } فيه إشارة إلى أنه كان قبل الهبوط فى ضيافة الله ورعايته ، وأنه لولا عناية الله به وبمن معه من المؤمنين ، لما نجت السفينة من ذلك الطوفان العظيم .
والتعبير بقوله { منا } لزيادة التكريم ، وتأكيد السلام . أى : انزل بسلام ناشئ من عندنا ، ولس من عند غيرنا ؛ لأن كل سلا من غيرنا لا قيمة له بجانب سلامنا .
وقوله { عَلَيْكَ وعلى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ } متعلق بسلام وبركات .
وفى هذا الإِشارة إلى أنه - سبحانه - سيجعل من ذرية نوح ومن ذرية من معه من المؤمنين ، أمما كثيرة ستكون محل كرامة الله وأمانة وبركاته .
وقوله - سبحانه - { وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } كلام مستأنف مسوق للاحتراز والتحذير من سوء عاقبة المخالفة لأمر الله .
أى : أن الأمم التى ستكون من نسلك ومن نسل أتباعك يا نوح على قسمين : قسم منه له منا السلام ، وعليه البركات بسبب إيمانه وعمله الصالح .
وقسم آخر سمنتعه فى الدنيا وبالكثير من زينتها وخيراتها ، ثم يصيبه يوم القيامة عذاب أليم بسبب جحوده لنعمنا ، وعصيانه لرسلنا .
فعلى كل عاقل أن يجتهد فى أن يكون من القسم الأول ، وأن يتجنب القسم الثانى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.