قوله تعالى : { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ، قل إن هدى الله هو الهدى } . وذلك أنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة ، ويطمعونه أنه إن أمهلهم اتبعوه . فأنزل الله تعالى هذه الآية ، معناه وإنك إن هادنتهم فلا يرجون بها وإنما يطلبون ذلك تعللا ، ولا يرضون منك إلا باتباع ملتهم ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هذا في القبلة ، وذلك أن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي إلى قبلتهم ، فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة آيسوا في أن يوافقهم على دينهم ، فأنزل الله تعالى : ( ولن ترضى عنك اليهود ) إلا باليهودية ( ولا النصارى ) إلا بالنصرانية والملة الطريقة .
قوله تعالى : { ولئن اتبعت أهواءهم } . قيل الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به الأمة . كقوله :{ لئن أشركت ليحبطن عملك } .
قوله تعالى : { بعد الذي جاءك من الحق } . البيان بأن دين الله هو الإسلام والقبلة قبلة إبراهيم عليه السلام وهي الكعبة .
{ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ * }
يخبر تعالى رسوله ، أنه لا يرضى منه اليهود ولا النصارى ، إلا باتباعه دينهم ، لأنهم دعاة إلى الدين الذي هم عليه ، ويزعمون أنه الهدى ، فقل لهم : { إِنَّ هُدَى اللَّهِ } الذي أرسلت به { هُوَ الْهُدَى }
وأما ما أنتم عليه ، فهو الهوى بدليل قوله { وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }
فهذا فيه النهي العظيم ، عن اتباع أهواء اليهود والنصارى ، والتشبه بهم فيما يختص به دينهم ، والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمته داخلة في ذلك ، لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب ، كما أن العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب .
ثم بين القرآن موقف أهل الكتاب من الدعوة الإِسلامية فقال : { وَلَنْ ترضى عَنكَ اليهود وَلاَ النصارى حتى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } .
الملة : الطريقة المسلوكة ، ثم جعلت اسما لما شرعه الله لعباده على لسان نبيه ليتوصلوا إلى السعادة الدائمة ، وقد تطلق على ما ليس حقاً من الأديان المنحرفة أو الباطلة ، كما حكى القرآن عن يوسف عليه السلام - أنه قال :
{ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ } وأفرد القرآن الملة فقال - تعالى - ملتهم - " مع أن لكل من اليهود والنصارى ملة خاصة ، لأن الملتين بالنظر لأى مخالفتهما لدين الإِسلام وما طرأ عليهما من التحريف بمنزلة واحدة ، فاتباع إحداهما كاتباع الأخرى في قلة الانتفاع به .
ومعنى الغاية في قوله : " حتى تتبع ملتهم الكناية عن اليأس من اتباع أهل الكتاب لشريعة الإِسلام ، لأنهم لما كانوا لا يرضون إلا باتباعه صلى الله عليه وسلم ملتهم وكان اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لملتهم مستحيلا ، فقد صار رضاهم عنه كذلك مستحيلا ، فالجملة الكريمة مبالغة في الإِقناط من إسلامهم ، وتنبيه على أنه لا يرضيهم إلا ما لا يجوز وقوعه منه .
ثم لقن الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم الجواب فقال : { قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى } .
وهدى الله : دينه والهدى ، بمعنى الهادي إلى طريق الفلاح في الدنيا والآخرة . أي : ما أنت عليه يا محمد من هدى الله الحق الذي يضعه في قلب من يشاء هو الهدى الحقيقي لا ما يدعيه هؤلاء من الأهواء .
وإيراد الهدى معرفاً بأل مع اقترانه بضمير الفصل " هو " يفيد قصر الهداية على دين الله ، وينفي أن يكون في دين غير دين الله هدى . وإذا كانت الهداية مقصورة على الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يطمع أهل الكتاب في أن يتبع ملتهم ؟
ثم حذر القرآن من اتباع أهل الكتاب فقال . { وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ الذي جَآءَكَ مِنَ العلم مَا لَكَ مِنَ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } .
اللام في قوله : { وَلَئِنِ } تشعر بأن في الجملة قسماً مقدراً روعى في صدرها ليفيد تأكيد ما تضمنته من أن متبع أهواء أهل الكتاب لا يجد من الله ولياً ولا نصيراً .
والأهواء : جمع هوى ، والمراد بها آراؤهم المنحرفة عن الحق الصادرة من شهوات في أنفسهم . والعلم : الدين : وسمى علماً لأنه يعلم بالأدلة القاطعة .
والولي : القريب والحليف . والنضير : كل من يعين غيره على من يناوئه ويبسط إليه يده بسوء .
والمعنى : ولئن اتبعت - يا محمد - آراءهم الزائفة ، بعد الذي جاءك من العلم بأن دين الله هو الإِسلام ، أو من الدين المعلوم صحته بالبراهين الواضحة ، مالك من الله من ولى يلي أمرك ولا نصير يدفع عنك عقابه .
وإنما أوثر خطابه صلى الله عليه وسلم بذلك ليدخل دخولاً أولياً من اتبع أهواءهم بعد الإِسلام من المنافقين تمسكاً بولايتهم ، وطمعاً في نصرتهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.