فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (120)

{ ملتهم } دينهم وسنتهم وطريقهم .

يبين الخبير والبصير إصرار المبطلين على باطلهم وكيف زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا وأنهم يسخطون على كل ما ليس على شاكلتهم شأنهم في ذلك شأن الكفار الفجار وقد حكى القرآن الحكيم قيلهم { وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا . . . }{[429]} والملة الدين والسنة والطريقة – فيه إقناط لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن إسلامهم وأن القوم قد بلغوا من التصميم إلى حد أنهم لا يقنعون بالكفاف ولا يرضون رأسا برأس بل يريدون منك عكس ما تطمع منهم زاعمين أن ملتهم التي حان نسخها هي الهدى{[430]} ( وليس غرضهم يا محمد مما يقترحون من الآيات ما يؤمنوا بل لو آتيتهم بكل ما يسألون لم يرضوا عنك وإنما يرضيهم ترك ما أنت عليه من الإسلام واتباعهم . . . تمسك بهذه الآية جماعة من العلماء منهم أبو حنيفة والشافعي وداوود وأحمد بن حنبل على أن الكفر ملة واحدة . . . وذهب أحمد ومالك في الرواية الأخرى إلى أن الكافر ملل فلا يرث اليهودي النصراني ولا يرثان المجوسي أخذا بظاهر قوله عليه السلام ( لا يتوارث أهل ملتين ) وأما قوله تعالى { ملتهم } فالمراد به الكثرة وإن كانت موحدة في القول واللفظ . . . كما تقول أخذت عن علماء المدينة –مثلا- علمهم . . يعني علومهم ){[431]} { قل إن هدى الله هو الهدى } أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر ويقرر أن بيان الله هو بيان القاطع والقضاء الفاصل بين الراشد والغاوي وأن دين الإسلام هو الحق وليس من بعده إلا الضلال فقد نسخ الأديان كلها ؛ فأنا أدعوكم إلى وحي كله هدى وأنتم تدعون إلى هوى وردى ؛ { ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير } ذهب صاحب روح المعاني إلى أن حاصل المعنى متابعة أهوائهم محال لأنه خلاف ما علم صحته فلو فرض وقوعه كما يفرض المحال لم يكن له ولي ولا نصير يدفع عنه العذاب ا ه . والخطاب إما للرسول صلى الله عليه وسلم أو المراد أمته{[432]} والأهواء مشتهياتهم وآرائهم الباطلة الناسخة .


[429]:سورة إبراهيم من الآية 13.
[430]:ما بين العارضتين مما أورد النيسابورى.
[431]:ما بين العلامتين ( ) من الجامع لأحكام القرآن.
[432]:يقول النيسابوري ما حاصله: فيه زجر شديد لأمته لأنهم إذا علموا مآل حال النبي صلى الله عليه وسلم لو فرض منه اتباع أهوائهم مع ما ورد في حقه (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر...) لم يبق لهم طمع في الخلاص لو وجد منهم ذلك.