تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (120)

الآية 120 وقوله تعالى : { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } اختلف في الملة ، فقيل{[1399]} : الملة السنة كقوله{[1400]} : ( بسم الله ) وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكقوله : { واتبع ملة إبراهيم حنيفا } [ النساء : 125 ] ، وقيل : الملة الدين كقوله عليه السلام : " لا يتوارث أهل الملتين " [ الترمذي : 2108 ] ، وقيل : الملة ههنا القبلة ، وهو كقوله : { ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم } [ البقرة : 145 ] آيس عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم عن اتباع أولئك دينه وقبلته لأنهم يختارون الدين والقبلة بهوى أنفسهم لا بطلب الحق وظهوره ولزوم الحجة ؛ وذلك أن النصارى إنما اختاروا قبلتهم المشرق لأن مكان الجبل الذي كان فيه عيسى في ناحية المشرق بقوله : { إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا } [ مريم : 16 ] ، واليهود اختاروا قبلتهم ناحية المغرب لأن موسى عليه السلام{[1401]} كان بناحية المغرب لما أعطي الرسالة ، وكلمه ربه كقوله : { وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر } [ القصص : 44 ] . وأما أهل الإسلام فإنما اختاروا الكعبة . شرفها الله . قبلة بالأمر لا اتباعا لهواهم ؛ والعقل يوجب أن تكون{[1402]} الكعبة قبلة : إذ هي مقصد الخلق من آفاق الدنيا ، فلما احتيج{[1403]} في الصلاة إلى التوجه إلى [ وجه الله ]{[1404]} كان أحق ذلك الموضع الذي جعل للخلق مقصدا أحرى{[1405]} .

ثم قوله تعالى : { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } أخبر عز وجل رسوله أن ليس في وسعك إرضاء هؤلاء لاختلافهم في الدعاوى في الملل .

فإن قيل : كيف نهى رسوله عن اتباع ملتهم على علم منه أنه{[1406]} لا يتبع ؟ قيل : لأن العصمة [ لا تزيل المحنة ، ولا تدفعها ، بل المحنة ]{[1407]} إنما تقع في العصمة لوجهين :

أحدهما : أن عصمته لما مضى : لا توجب عصمته في الحادث .

والثاني : أن أحق من ينهى عن الأشياء من أكرم بالعصمة إذ على زوال النهي يرتفع عنه جهة العصمة لأنه يصير برفع النهي مباحا . فلهذا دل القول على النهي عن{[1408]} ما فيه إرضاؤهم ، وإن كان في الأصل معصوما عنه ، وبالله التوفيق . وفي إزالة الأمر والنهي إزالة فائدة العصمة لأن العصمة هي{[1409]} أن يعصم في الأمر حتى يؤديه ، وفي النهي حتى ينتهي عنه ، وبالله التوفيق .

وقوله : { قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم } قيل : إن دين الله الذي اختاره أهل الإسلام بالأمر واتباع الآيات والحجج ، هو الدين لا كما اختار{[1410]} أولئك بهوى أنفسهم واستقبال الآيات والحجج بالرد والإنكار والمعاندة ، ويحتمل أن يكون الخطاب في قوله : { ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم } [ له ]{[1411]} والبيان لأصحابه{[1412]} ومن دخل في دينه ، وصدقه ، لا هو . وذلك كثير في القرآن ؛ يخاطب هو ، والمراد غيره .

وقوله : { ما لك من الله من ولي ولا نصير } ظاهره { من ولي } يتولى الدفاع عنك { ولا نصير } يمنعك من العذاب ، ويحتمل : ينصرك ، فتغلب به سلطان الله [ في ما ]{[1413]} يريد تعذيبك .


[1399]:- في ط م و ط ع: قيل.
[1400]:- أي كقول القائل.
[1401]:- في ك م: صلى الله عليه وسلم.
[1402]:- من ط م، في الأصل و ط ع: يكون.
[1403]:- في ط ع: احتج.
[1404]:- في ط م: وجه، ساقطة من ط ع.
[1405]:- من ط م، في الأصل: آخر، في ط ع: أخرى.
[1406]:- من ط م، في الأصل و ط ع: أن.
[1407]:- من ط م و ط ع: ساقطة من الأصل.
[1408]:-من ط م، في الأصل و ط ع: على.
[1409]:- في النسخ الثلاث: هو.
[1410]:- في ط م: يختار، في ط ع: اختاروا.
[1411]:- من ط م.
[1412]:- من ط م، في الأصل و ط ع: أصحابه.
[1413]:- من ط م و ط ع.