الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ} (120)

وقوله تعالى : { قل إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى }[ البقرة :120 ] .

أي : ما أنت عليه يا محمَّد من هدى اللَّه هو الهدَى الحقيقيُّ ، لا ما يدعيه هؤلاء ، ثم قال تعالى لنبيِّه : { وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الذي جَاءَكَ مِنَ العلم مَا لَكَ مِنَ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }[ البقرة :120 ] فهذا شرط خوطب به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأمته معه داخلةٌ فيه .

( ت ) والأدب أن يقال : خُوطِبَ به صلى الله عليه وسلم ، والمراد أُمَّتُهُ لوجودِ عصمته صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الجواب في سائر ما أشبه هذا المعنى من الآيِ ، وقد نبَّه - رحمه اللَّه - على هذا المعنى في نظيرتها كما سيأتي ، وكان الأولى أن ينبِّه على ذلك هنا أيضاً ، وقد أجاب عِيَاضٌ عن الآيِ الواردةِ في القرآن ممَّا يوهمُ ظاهره إِشكالاً ، فقال - رحمه اللَّه - : اعلم ، وفَّقنا اللَّه وإياك ، أنه - عليه السلام - لا يصحُّ ولا يجوز علَيْه ألاَّ يبلغ ، وأن يخالف أمر ربه ، ولا أن يشرك ولا أن يتقوَّل على اللَّه ما لا يجبُ أو يفتري عليه ، أو يضل ، أو يختم على قلبه ، أو يطيع الكافرين ، لكن اللَّه أمره بالمكاشفةِ والبيان في البلاغ للمخالِفِينَ ، وإن إِبلاغه ، إِنْ لم يكُنْ بهذا البيان فكأنه ما بلَّغ ، وطيَّب نفسه ، وقوَّى قلبه بقوله تعالى :

{ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس } [ المائدة : 67 ] كما قال لموسى وهارون - عليهما السلام : { لاَ تَخَافَا } [ طه : 46 ] لتشتد بصائرهم في الإِبلاغ ، وإِظهار دين اللَّهِ ، ويذهب عنهمْ خَوْفُ العدوِّ المضعف لليقين ، وأما قوله تعالى : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل . . . } [ الحاقة : 44 ]الآية ، وقوله { إِذًا لأذقناك ضِعْفَ الحياة } [ الإسراء : 75 ] فمعناه : أنَّ هذا هو جزاء من فعل هذا ، وجزاؤك لو كنت ممن يفعله ، وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعله ، وكذلك قوله تعالَى : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرض } [ الأنعام : 116 ] فالمراد غيره ، كما قال : { إِن تُطِيعُواْ الذين كَفَرُواْ . . . } [ آل عمران : 149 ] الآية وقوله : { فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ على قَلْبِكَ } [ الشورى : 24 ] وَ{ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] وما أشبهه ، فالمراد غيره ، وأن هذا حال مَنْ أشرك ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَجُوزُ عليه هذا ، وقوله تعالَى { اتق الله وَلاَ تُطِعِ الكافرين } [ الأحزاب : 1 ] فليس فيه أنه أطاعهم ، واللَّه يَنْهَاهُ عما يشاء ، ويأمره بما يشاء ، كما قال تعالى : { وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم } [ الأنعام : 52 ] الآية ، وما كان طَرَدَهُمْ - عليه السلام - ولا كَانَ من الظالمين . انتهى من «الشِّفَا » .

( ص ) { وَلَئِنِ } : هذه اللام هي الموطِّئة والموذنةُ ، وهي مشعرةٌ بِقَسَمٍ مقدَّر قبلها . انتهى .