وقوله تعالى : { وَلَن ترضى عَنكَ اليهود وَلاَ النصارى حتى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } بيانٌ لكمال شدةِ شكيمةِ هاتين الطائفتين خاصة إثْرَ بيانِ ما يعُمُّهما والمشركين من الإصرار على ما هم عليه إلى الموت ، وإيرادُ لا النافية بين المعطوفَيْن لتأكيد النفي لما مر من أن تصلُّبُ اليهودِ في أمثال هذه العظائم أشدُّ من النصارى والإشعارِ بأن رضى كلَ منهما مباينٌ لرضى الأخرى أي لن ترضى عنك اليهودُ ولو خلَّيتَهم وشأنَهم حتى تتبعَ ملّتهم ولا النصارى ولو تركتهم ودينَهم حتى تتبع مِلَّتَهم فأُوجِزَ النظمُ ثقةً بظهور المراد ، وفيه من المبالغة في إقناطه صلى الله عليه وسلم من إسلامهم ما لا غايةَ وراءه فإنهم حيث لم يرضَوْا عنه عليه السلام ولو خلاّهم يفعلون ما يفعلون بل أملّوا منه صلى الله عليه وسلم ما لا يكاد يدخُل تحت الإمكان من اتباعه عليه السلام لمِلّتهم فكيف يُتوهم اتباعُهم لملته عليه السلام ؟ وهذه حالتُهم في أنفسهم ومقالتُهم فيما بينهم ، وأما أنهم أظهروها للنبي صلى الله عليه وسلم وشافهوه بذلك وقالوا : لن نرضى عنك وإن بالغْتَ في طلب رضانا حتى تتبعَ مِلَّتنا كما قيل فلا يساعده النظمُ الكريم بل فيه ما يدل على خلافه ، فإن قوله عز وجل : { قُلْ إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى } صريحٌ في أن ما وقع هذا جواباً عنه ليس عينَ تلك العبارةِ بل ما يستلزم مضمونَها أو يلزمه من الدعوة إلى اليهودية والنصرانية وأداءٌ أن الاهتداءَ فيهما كقوله عز وجل حكايةً عنهم : { كُونُواْ هُودًا أَوْ نصارى تَهْتَدُواْ } [ البقرة ، الآية : 135 ] أي قل رداً عليهم إن هدى الله الذي هو الإسلامُ هو الهدى بالحق والذي يحِقُّ ويصح أن يُسمَّى هُدىً . وهو الهدى كلُّه ليس وراءه هُدىً وما تدْعون إليه ليس بهُدىً بل هو هوىً كما يعرب عنه قوله تعالى : { وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءهُم } أي آراءَهم الزائغةَ الصادرةَ عنهم بقضية شهواتِ أنفسِهم وهي التي عُبّر عنها فيما قبلُ بملتهم إذ هي التي ينتمون إليها ، وأما ما شرعه الله تعالى لهم من الشريعة على لسان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهو المعنى الحقيقيُّ للملة فقد غيّروها تغييراً { بَعْدَ الذي جَاءكَ مِنَ العلم } أي الوحي أو الدين المعلومِ صحتُه { مَا لَكَ مِنَ الله } من جهته العزيزة { مِن وَلِي } يلي أمرَك عموماً { وَلاَ نَصِيرٍ } يدفعُ عنك عقابَه . وحيث لم يستلزم نفيُ الوليِّ نفيَ النصيرِ وُسِّط ( لا ) بين المعطوفين لتأكيد النفي وهذا من باب التهييج والإلهابِ وإلا فأنى يُتوهم إمكانُ اتباعِه عليه السلام لمِلّتهم . وهو جوابٌ للقسم الذي وطّأه اللامُ واكتُفي به عن جواب الشرط .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.