قوله تعالى : { ولقد جاءكم يوسف من قبل } يعني يوسف بن يعقوب من قبل موسى { بالبينات } يعني : قوله { أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار } ( يوسف-39 ) ، { فما زلتم في شك مما جاءكم به } قال ابن عباس : من عبادة الله وحده لا شريك له ، { حتى إذا هلك } مات ، { قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً } أي : أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدد عليكم الحجة ، { كذلك يضل الله من هو مسرف } مشرك ، { مرتاب } شاك .
{ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ } بن يعقوب عليهما السلام { مِنْ قَبْلُ } إتيان موسى بالبينات الدالة على صدقه ، وأمركم بعبادة ربكم وحده لا شريك له ، { فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ } في حياته { حَتَّى إِذَا هَلَكَ } ازداد شككم وشرككم ، و { قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا } أي : هذا ظنكم الباطل ، وحسبانكم الذي لا يليق بالله تعالى ، فإنه تعالى لا يترك خلقه سدى ، لا يأمرهم وينهاهم ، ويرسل إليهم رسله ، وظن أن الله لا يرسل رسولا ظن ضلال ، ولهذا قال : { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ } وهذا هو وصفهم الحقيقي الذي وصفوا به موسى ظلمًا وعلوا ، فهم المسرفون بتجاوزهم الحق وعدولهم عنه إلى الضلال ، وهم الكذبة ، حيث نسبوا ذلك إلى الله ، وكذبوا رسوله .
فالذي وصفه السرف والكذب ، لا ينفك عنهما ، لا يهديه الله ، ولا يوفقه للخير ، لأنه رد الحق بعد أن وصل إليه وعرفه ، فجزاؤه أن يعاقبه الله ، بأن يمنعه الهدى ، كما قال تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } { وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }
ثم ذكرهم بعد ذلك بما كان من أسلافهم مع أحد أنبيائهم فقال : { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ حتى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } .
والذى عليه المحققون أن المراد بيوسف هنا : يوسف بن يعقوب - عليهما السلام - والمراد بمجيئه إليهم : مجيئه إلى آبائهم ، إذ بين يوسف وموسى - عليهما السلام - أكثر من أربعة قرون ، فالتعبير فى الآية الكريمة من باب نسبة أحوال الآباء إلى الأبناء لسيرهم على منوالهم وعلى طريقتهم فى الإِعراض عن الحق .
أى : ولقد جاء يوسف - عليه السلام - إلى آبائكم من قبل مجئ موسى إليكم ، وكان مجيئه إلى آبائكم مصحوبا بالمعجزات والبينات ، والآيات الواضحات الدالة على صدقه .
{ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ } أى : فما زال آباؤكم فى شك مما جاءهم به من البينات والهدى ، كشأنكم أنتم مع نبيكم موسى - عليه السلام - .
{ حتى إِذَا هَلَكَ } أى : مات يوسف - عليه السلام - .
{ قُلْتُمْ } أى : قال آباؤكم الذين أنتم من نسلهم { لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } فهم قد كذبوا رسالته فى حياته ، وكفروا بمن بعده من الرسل بعد موته ، لأنهم نفوا أن يكون هناك رسول من بعده .
فأنت ترى أن الرجل المؤمن يحذر قومه من أن يسلكوا مسلك آبائهم ، فى تكذيب رسل الله ، وفى الإِعراض عن دعوتهم .
قال ابن كثير : قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات } يعنى : أهل مصر ، قد بعث الله فيهم رسولا من قبل موسى ، وهو يوسف - عليه السلام - ، كان عزيز أهل مصر ، وكان رسولا يدعو إلى الله أمته القبط ، فما أطاعوه تلك الساعة إلا لمجرد الوزارة والجاه الدنيوى .
ولهذا قال : { فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ حتى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } أى : يئستم فقلتم طامعين : { لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } وذلك لكفرهم وتكذيبهم .
وقوله : { كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } أى : مثل ذلك الإِضلال الفظيع ، يضل الله - تعالى - من هو مسرف فى ارتكاب الفسوق والعصيان ، ومن هو مرتاب فى دينه ، شاك فى صدق رسوله ، لاستيلاء الشيطان والهوى على قلبه .
ثم بين لهم أن غضب الله - تعالى - شديد ، على الذين يجادلون فى آياته الدالة على وحدانيته وعلى كمال قدرته ، وعلى صدق أنبيائه ، بغير حجة أو دليل فقال { الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله وَعِندَ الذين آمَنُواْ . . . } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.