فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ جَآءَكُمۡ يُوسُفُ مِن قَبۡلُ بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلۡتُمۡ فِي شَكّٖ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن يَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنۡ هُوَ مُسۡرِفٞ مُّرۡتَابٌ} (34)

{ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ } هذا من تمام وعظ مؤمن آل فرعون ، ذكرهم قديم عتوهم على الأنبياء وقيل : إن هذا من قول موسى عليه السلام والأول أولى { مِنْ قَبْلُ } أي قبل موسى وهو يوسف بن يعقوب ، في قول عمر إلى زمن موسى ، قاله المحلي ، أي عاش واستمر يوسف ابن يعقوب إلى زمن موسى الكليم ، قال سليمان الجمل : وهذا القول لم يقله غيره من المفسرين وإنما غاية ما وجد بعد التفتيش ما نقله الشهاب بقوله وفي بعض التواريخ أن وفاة يوسف قبل مولد موسى بأربع وستين سنة ، قال القاري : والصحيح أن المعمر هو فرعون موسى : أدرك يوسف وعاش إلى أن أرسل إليه موسى ، وعمره أربعمائة سنة وأربعين سنة انتهى . وقال السيوطي في التحبير : وعاش يوسف بن يعقوب مائة وعشرين سنة ، وبين يوسف وموسى أربعمائة سنة انتهى وقيل : هو فرعون آخر .

{ بِالْبَيِّنَاتِ } أي أنه جاءهم بالمعجزات الظاهرات والآيات الواضحات من قبل مجيء موسى إليهم ، أي جاء إلى آبائكم ، فجعل المجيء إلى الآباء مجيئا إلى الأبناء ، وقال ابن جرير : المراد بالبينات رؤيا يوسف ، وقيل : المراد بها قوله : { أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } ؟ وقيل : المراد بيوسف يوسف بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب ، وكان أقام فيهم أي في القبط نبيا عشرين سنة ، وحكى النقاش عن الضحاك أن الله بعثه إليهم رسولا من الجن يقال له : يوسف قال الشوكاني رحمه الله : والأول أولى { فَمَا زِلْتُمْ } أي ما زال أسلافكم { فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ } من البينات ولم تؤمنوا به .

{ حَتَّى إِذَا هَلَكَ } يوسف { قُلْتُمْ } أي قال أسلافكم : { لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا } فكفروا به في حياته وكفروا بمن بعده من الرسل بعد موته ، وظنوا أن الله لا يجدد عليهم الحجة ، وإنما قالوا ذلك على سبيل التشهي والتمني من غير حجة ولا برهان ، ليكون لهم أساس في تكذيب الرسل الذين يأتون بعده ، وهذا ليس إقرار منهم برسالته ، بل هو ضم منهم على الشك في رسالته ، والتكذيب من بعده ، أفاده الخطيب والخازن .

{ كَذَلِكَ } الضلال الواضح { يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ } في معاصي الله مستكثر منها أو مشرك { مُرْتَابٌ } في دين الله شاك في وحدانيته ووعده ووعيده ،