معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا} (25)

قوله تعالى : { ورد الله الذين كفروا } من قريش وغطفان ، { بغيظهم } لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا ، { لم ينالوا خيراً } ظفراً ، { وكفى الله المؤمنين القتال } بالملائكة والريح ، { وكان الله قوياً عزيزاً } قوياً في ملكه عزيزاً في انتقامه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا} (25)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } .

يقول تعالى ذكره : ورَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا به وبرسوله من قُرَيش وغطفان بِغَيْظِهِمْ يقول : بكربهم وغمهم ، بفوتهم ما أمّلوا من الظفر ، وخيبتهم مما كانوا طَمِعوا فيه من الغَلَبة لَمْ ينَالوا خَيْرا يقول : لم يصيبوا من المسلمين مالاً ولا إسارا وكَفَى اللّهُ المُؤْمِنِينَ القِتالَ بجنود من الملائكة والريح التي بعثها عليهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرا الأحزاب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرا وذلك يوم أبي سفيان والأحزاب ، ردّ الله أبا سفيان وأصحابه بغيظهم لم ينالوا خيرا وكَفَى اللّهُ المُؤْمِنِينَ القِتالَ بالجنود من عنده ، والريح التي بعث عليهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني يزيد بن رومان وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْرا : أي قريش وغطفان .

حدثني الحسين بن عليّ الصّدائي ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، قال : حُبِسنا يوم الخندق عن الصلاة ، فلم نصلّ الظهر ، ولا العصر ، ولا المغرب ، ولا العشاء ، حتى كان بعد العشاء بهويّ كفينا ، وأنزل الله : وكَفَى اللّهُ المُؤْمِنِينَ القِتالَ ، وكانَ اللّهُ قَوِيّا عَزِيزا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً ، فأقام الصلاة ، وصلى الظهر ، فأحسن صلاتها ، كما كان يصليها في وقتها ، ثم صلى العصر كذلك ، ثم صلى المغرب كذلك ، ثم صلى العشاء كذلك ، جعل لكل صلاة إقامة ، وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف فإنْ خِفْتُمْ فِرِجالاً أوْ رُكْبانا .

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا ابن أبي فديك ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، عن أبي سعيد الخدري قال : حُبسنا يوم الخندق ، فذكر نحوه .

وقوله : وكانَ اللّهُ قَوِيّا عَزِيزا يقول : وكان الله قويا على فعل ما يشاء فعله بخلقه ، فينصر من شاء منهم على من شاء أن يخذله ، لا يغلبه غالب عزيزا يقول : هو شديد انتقامه ممن انتقم منه من أعدائه . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وكانَ اللّهُ قَويّا عَزيزا : قويا في أمره ، عزيزا في نقمته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا} (25)

عدد الله تعالى في هذه الآية نعمه على المؤمنين في هزم الأحزاب وأن الله تعالى ردهم { بغيظهم } لم يشفوا منه شيئاً ولا نالوا مراداً ، { وكفى } كل من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل الأحزاب ، وروي أن المراد ب { المؤمنين } هنا علي بن أبي طالب وقوم معه عنوا للقتال وبرزوا ودعوا إليه وقتل علي رجلاً من المشركين اسمه عمرو بن عبد ود ، فكفاهم الله تعالى مداومة ذلك وعودته بأن هزم الأحزاب بالريح والملائكة وصنع ذلك بقوته وعزته .

قال أبو سعيد الخدري : حبسنا يوم الخندق فلم نصل الظهر ولا العصر ولا المغرب ولا العشاء حتى كان بعد هوى من الليل كفينا وأنزل الله تعالى ، { وكفى الله المؤمنين القتال } ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام وصلى الظهر فأحسنها ثم كذلك حتى صلى كل صلاة بإقامة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا} (25)

عطف على جملة { فأرسلنا عليهم ريحاً } [ الأحزاب : 9 ] وهو الأنسب بسياق الآيات بعدها ، أي أرسل الله عليهم ريحاً وردّهم ، أو حال من ضمير { يحسبون الأحزاب لم يذهبوا } [ الأحزاب : 20 ] ، أي : يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وقد رد الله الأحزاب فذهبوا .

والرد : الإرجاع إلى المكان الذي صُدر منه فإنَّ ردهم إلى ديارهم من تمام النعمة على المسلمين بعد نعمة إرسال الريح عليهم لأن رجوعهم أعمل في اطمئنان المسلمين . وعُبر عن الأحزاب بالذين كفروا للإيماء إلى أن كفرهم هو سبب خيبتهم العجيبة الشأن .

والباء في { بغيظهم } للملابسة ، وهو ظرف مستقرّ في موضع الحال ، أي : ردهم مُغِيظين .

وإظهار اسم الجلالة دون ضمير المتكلم للتنبيه على عظم شأن هذا الرد العجيب كما تقدم في قوله تعالى : { ليجزي الله الصادقين بصدقهم } [ الأحزاب : 24 ] .

والغيظ : الحَنق والغضب ، وكان غضبهم عظيماً يناسب حال خيبتهم لأنهم تجشموا كلفة التجمّع والإنفاق وطولِ المكث حول المدينة بلا طائل وخابت آمالهم في فتح المدينة وأكل ثمارها وإفناء المسلمين ، وهم يحسبون أنها منازلة أيام قليلة ، ثم غاظهم ما لحقهم من النكبة بالريح والانهزام الذي لم يعرفوا سببه .

وجملة { لم ينالوا خيراً } حال ثانية . ولك أن تجعل جملة { لم ينالوا خيراً } استئنافاً بيانياً لبيان موجب غيظهم .

و { كفى } بمعنى أغنى ، أي : أراحهم من كلفة القتال بأن صرف الأحزاب . و { كفى } بهذا المعنى تتعدى إلى مفعولين يقال : كفيتُك مُهمك وليست هي التي تزاد الباء في مفعولها فتلك بمعنى : حسب .

وفي قوله { وكفى الله المؤمنين القتال } حذف مضاف ، أي كلفة القتال ، أو أرزاء القتال ، فإن المؤمنين كانوا يومئذ بحاجة إلى توفير عددهم وعُددهم بعد مصيبة يوم أُحُد ولو التقوا مع جيش المشركين لكانت أرزاؤهم كثيرة ولو انتصروا على المشركين .

والقول في إظهار اسم الجلالة في قوله { وكفى الله المؤمنين القتال } كالقول في { وردّ اللَّه الذين كفروا بغيظهم .

وجملة { وكان الله قوياً عزيزاً } تذييل لجملة { وردّ الله الذين كفروا } إلى آخرها .

والقوة : القدرة ، وقد تقدمت في قوله { لو أنّ لي بكم قوة } في سورة [ هود : 80 ] .

والعزة : العظمة والمنعة ، وتقدمت في قوله تعالى : { أخذته العزّة بالإثم } في سورة [ البقرة : 206 ] .

وذكر فعل { كان } للدلالة على أن العزة والقوة وصفان ثابتان لله تعالى ، ومن تعلُّقات قوتِه وعزته أن صرف ذلك الجيش العظيم خائبين مفتضحين وألقى بينه وبين أحلافه من قريظة الشك ، وأرسل عليهم الريح والقرّ ، وهدَى نُعيماً بن مسعود الغطفاني إلى الإسلام دون أن يشعر قومه فاستطاع النصح للمسلمين بالكَيد للمشركين . ذلك كله معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم .