معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ} (48)

{ وأملي لهم إن كيدي متين . أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون . أم عندهم الغيب فهم يكتبون . فاصبر لحكم ربك } اصبر على أذاهم لقضاء ربك ، { ولا تكن } في الضجر والعجلة ، { كصاحب الحوت } وهو يونس بن متى ، { إذ نادى } ربه في بطن الحوت ، { وهو مكظوم } مملوء غماً .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ} (48)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىَ وَهُوَ مَكْظُومٌ * لّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رّبّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاصبر يا محمد لقضاء ربك وحكمه فيك ، وفي هؤلاء المشركين بما أتيتهم به من هذا القرآن ، وهذا الدين ، وامض لما أمرك به ربك ، ولا يثنيك عن تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم إياك وأذاهم لك .

وقوله : وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ الذي حبسه في بطنه ، وهو يونس بن مَتّى صلى الله عليه وسلم فيعاقبك ربك على تركك تبليغ ذلك ، كما عاقبه فحبسه في بطنه . إذْ نادَى وَهوَ مَكْظُومٌ يقول : إذ نادى وهو مغموم ، قد أثقله الغمّ وكظمه ، كما :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إذْ نادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ يقول : مغموم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : مَكْظُومٌ قال : مغموم .

وكان قتادة يقول في قوله : وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ : لا تكن مثله في العَجَلة والغضب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ وَلا تَكُنْ كَصْاحِبِ الْحُوتِ إذْ نادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ يقول : لا تعجل كما عَجِل ، ولا تغضب كما غضب .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ} (48)

ثم أمر تعالى نبيه بالصبر لحكمه ، وأن يمضي لما أمر به من التبليغ واحتمال الأذى والمشقة ، ونهى عن الضجر والعجلة التي وقع فيها يونس صلى الله عليه وسلم ، ثم اقتضبت القصة ، وذكر ما وقع في آخرها من ندائه من بطن الحوت { وهو مكظوم } ، أي غيظه في صدره . وحقيقة الكظم : هو الغيظ والحزن والندم فحمل المكظوم عليه تجوزاً ، وهو في الحقيقة كاظم ، ونحو هذا قول ذي الرمة : [ البسيط ]

وأنت من حب مني مضمر حزناً . . . عاني الفؤاد قريح القلب مكظوم{[11267]}

وقال النقاش : المكظوم ، الذي أخذ بكظمه وهو مجاري القلب ، ومنه سميت الكاظمة وهي القناة في جوف الأرض{[11268]} .


[11267]:الحزن والحزن بمعنى واحد، قال تعالى: (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن)، وقد فرق بعض اللغويين بينهما تفرقة لا تخرجهما عن أن المعنى فيهما ضد الفرح، والمكظوم: الحزين الذي يخفي حزنه ويكتمه فيسبب له ألما أكثر، وهو موضع الاستشهاد هنا. وقد كثر الكلام في معنى القرح وفي التفريق بينه وبين الجرح، والمعنى في النهاية واحد.
[11268]:هكذا جاءت كلمة "الكاظمة" في الأصول، والذي في لسان العرب أن "الكاظمة" موضع قال امرؤ القيس: إذا هن أقساط كرجل الدبى أو كقطا كاظمة الناهل أما القناة التي في جوف الأرض فتسمى "الكظامة" قال في اللسان: "قناة في باطن الأرض يجري فيها الماء، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم فتوضأ منها ومسح على خفيه، الكظامة كالقناة، وجمعها كظائم".