تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ} (48)

الآية 48 وقوله تعالى : { فاصبر لحكم ربك } إن حكم الله تعالى في الرسل ثلاث :

أحدها : ألا يدعوا على قومهم بالهلاك ، وإن اشتد أذاهم من ناحيتهم حتى يؤذن لهم .

والثاني : ألا يفارقوا قومهم ، وإن اشتد بهم البلاء ، إلا بإذن من الله تعالى .

والثالث : ألا يقصروا في التبليغ ، وإن خافوا على أنفسهم .

ثم وراء هذا عليهم أمران :

أحدهما : أمروا إلا يغضبوا إلا لله تعالى .

والثاني : ألا يحزنوا لمكان أنفسهم إذا آذاهم قومهم ، بل يحزنوا لمكان أولئك القوم إشفاقا عليهم منه ورحمة بما يحل من العذاب بتكذيبهم الرسل فهذا هو حكم ربه .

ويحتمل أن يكون قوله : { فاصبر لحكم ربك } أي لا تجازهم بصنيعهم ، وتستعجل{[21849]} عليهم ، بل اصبر لحكم ربك بما حكم عليهم من العذاب .

وقوله تعالى : { ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم } [ يحتمل وجهين :

أحدهما : ما ]{[21850]} قيل : نادى على قومه بالدعاء عليهم بالهلاك . لكنه لم يظهر دعاؤه على قومه عندنا ، وإنما ظهرت منه المفارقة والمغاضبة على قومه بقوله : { وذا النون إذ ذهب مغاضبا } [ الأنبياء : 87 ] ولم يكن له أن يفارقهم ، فيقول : اصبر بما حكم عليك ربك من ترك المفارقة عن قومك { ولا تكن كصاحب الحوت } الذي فارق قومه قبل مجيء الإذن له من الله تعالى .

والثاني : أن يونس عليه السلام لم يصبر على أذى قومه ، بل فارقهم حتى ابتلي ببطن الحوت ، ثم فزع بالدعاء إلى الله تعالى ليخلصه من بطنه .

فيقول : عليك الصبر مع قومك { ولا تكن كصاحب الحوت } حين{[21851]} لم يصبر مع قومه ، فابتلي بما ذكر حتى احتاج إلى أن ينادي { في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } [ الأنبياء : 87 ] فتبتلى أنت أيضا بمثل ما ابتلي هو به .

ثم لا يجوز أن تلحقه اللائمة ، ويعاتب على ما دعا في بطن الحوت ، لأن ذلك عذاب ابتلي به ، ولا ينبغي للمرء أن يصبر على العذاب بل عليه أن يبتهل إلى الله تعالى ليكشف عنه .

وإنما لحقته اللائمة بمفارقته قومه ولتركه الصبر معهم .


[21849]:في الأصل و م: و استعمل
[21850]:ساقطة من الأصل و م.
[21851]:في الأصل و م: حيث