اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ} (48)

قوله { فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ } أي : لقضاء ربِّك ، والحكم هنا القضاء .

وقيل : اصبر على ما حكم به عليك ربُّك من تبليغ الرسالةِ .

وقال ابنُ بَحْرٍ : فاصبر لنصر ربك .

وقيل : منسوخ بآية السيف { وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحوت } يعني يونس - عليه السلام - أي : لا تكن مثله في الغضب ، والضجر ، والعجلة .

وقال قتادة : إن الله تعالى يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم ويأمره بالصبر ، ولا يعجل كما عجل يونس - عليه الصلاة والسلام -{[57688]} . وقد مضى الفرق بين «ذي » و «صاحب » في «يونس » .

قوله : { إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ } .

«إذْ » منصوب بمضاف محذوف ، أي : ولا يكن حالك كحاله ، أو قصتك كقصته في وقت ندائه ، ويدل على المحذوف أن الذوات لا ينصبُّ عليها النهي على أحوالها ، وصفاتها .

وقوله : { وَهُوَ مَكْظُومٌ } . جملة حالية من الضمير في «نَادَى » .

والمكظوم : الممتلئ حزناً وغيظاً ، ومنه كظم السقاء إذا ملأه .

قال ذو الرمة : [ البسيط ]

4836 - وأنْتَ مِنْ حُبِّ مَيٍّ مُضْمِرٌ حَزَناً***عَانِي الفُؤادِ قَريحُ القَلْبِ مَكْظُومُ{[57689]}

فصل في دعاء يونس

«إذْ نَادَى » ، أي : حين دعا من بطن الحوتِ ، فقال : { لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين }[ الأنبياء : 87 ] .

قال القرطبي{[57690]} : ومعنى { وَهُوَ مَكْظُومٌ } أي : مملوء غمًّا .

وقيل : كرباً ، فالأول قول ابن عباس ومجاهد{[57691]} ، والثاني : قول عطاء وأبي مالك ، قال الماورديُّ : والفرق بينهما أن الغمَّ في القلب ، والكرب في الأنفاس .

وقيل : «مَكْظُومٌ » محبوس ، والكظم : الحبس ومنه قولهم : كَظَمَ غَيْظَهُ ، أي : حبس غضبه ، قاله ابن بحر .

وقيل : «إنه المأخوذ بكظمه وهو مجرى النفس ، قاله المُبرِّدُ » .

والمعنى : لا يوجد منك ما وجد منه من الضجر ، والمغاضبة ، فتبتلى ببلائه .


[57688]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/203) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/402) وعزاه إلى عبد الرزاق وأحمد في "الزهد" وابن المنذر.
[57689]:ينظر البحر 8/311، وفتح القدير 5/277، والدر المصون 6/358، وروح المعاني 29/45.
[57690]:ينظر الجامع لأحكام القرآن 18/165.
[57691]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/202) عن ابن عباس ومجاهد وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/402) عن ابن عباس وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم. وذكره عن مجاهد وعزاه إلى عبد بن حميد.