البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ} (48)

روي أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يدعو على الذين انهزموا بأحُد حين اشتد بالمسلمين الأمر . وقيل : حين أراد أن يدعو على ثقيف ، فنزلت : { فاصبر لحكم ربك } : وهو إمهالهم وتأخير نصرك عليهم ، وامض لما أمرت به من التبليغ واحتمال الأذى ، { ولا تكن كصاحب الحوت } : هو يونس عليه السلام ، { إذ نادى } : أي في بطن الحوت ، وهو قوله :

{ أن لا إله إلا أنت سبحانك } وليس النهي منصباً على الذوات ، إنما المعنى : لا يكن حالك مثل حاله .

{ إذ نادى } : فالعامل في إذ هو المحذوف المضاف ، أي كحال أو كقصة صاحب الحوت ، { إذ نادى وهو مكظوم } : مملوء غيظاً على قومه ، إذ لم يؤمنوا لما دعاهم إلى الإيمان ، وأحوجوه إلى استعجال مفارقته إياهم .

وقال ذو الرمة :

وأنت من حب ميّ مضمر حزنا *** عانى الفؤاد قريح القلب مكظوم

وتقدمت مادة كظم في قوله : { والكاظمين الغيظ }