معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ أَخَافُ مَآ أَشۡرَكۡتُمۡ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمۡ أَشۡرَكۡتُم بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗاۚ فَأَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (81)

قوله تعالى : { وكيف أخاف ما أشركتم } ، يعني الأصنام ، وهي لا تبصر ، ولا تسمع ، ولا تضر ولا تنفع .

قوله تعالى : { ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً } ، حجة وبرهاناً ، وهو القاهر القادر على كل شيء .

قوله تعالى : { فأي الفريقين أحق } ، أولى .

قوله تعالى : { بالأمن } ، أنا وأهل ديني أم أنتم ؟

قوله تعالى : { إن كنتم تعلمون } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ أَخَافُ مَآ أَشۡرَكۡتُمۡ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمۡ أَشۡرَكۡتُم بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗاۚ فَأَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (81)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالأمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } . .

وهذا جواب إبراهيم لقومه حين خوّفوه من آلهتهم أن تمسه لذكره إياها بسوء في نفسه بمكروه ، فقال لهم : وكيف أخاف وأرهب ما أشركتموه في عبادتكم ربكم فعبدتموه من دونه وهو لا يضرّ ولا ينفع ولو كانت تنفع أو تضرّ لدفعت عن أنفسها كسرى إياها وضربى لها بالفأس ، وأنتم لا تخافون الله الذي خلقكم ورزقكم وهو القادر على نفعكم وضرّكم في إشراككم في عبادتكم إياه ما لَمْ يُنَزّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطانا يعني : ما لم يعطكم على إشراككم إياه في عبادته حجة ، ولم يضع لكم عليه برهانا ، ولم يجعل لكم به عذرا . فَأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَقّ بالأَمْنِ يقول : أنا أحقّ بالأمن من عاقبة عبادتي ربي مخلصا له العبادة حنيفا له ديني بريئا من عبادة الأوثان والأصنام ، أم أنتم الذين تعبدون من دون الله أصناما لم يجعل الله لكم بعبادتكم إياها برهانا ولا حجة ؟ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يقول : إن كنتم تعلمون صدق ما أقول وحقيقة ما أحتجّ به عليكم ، فقولوا وأخبروني أيّ الفريقين أحقّ بالأمن .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، كان محمد بن إسحاق يقول فيما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سَلَمة ، قال : قال محمد بن إسحاق ، في قوله : وكَيْفَ أخافُ ما أشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أنّكُمْ أشْركْتُمْ باللّهِ يقول : كيف أخاف وثنا تعبدون من دون الله لا يضرّ ولا ينفع ، ولا تخافون أنتم الذي يضرّ وينفع ، وقد جعلتم معه شركاء لا تضرّ ولا تنفع . فَأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَقّ بالأمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ : أي بالأمن من عذاب الله في الدنيا والاَخرة الذي يعبد ، الذي بيده الضرّ والنفع ؟ أم الذي يعبد ما لا يضرّ ولا ينفع ؟ يضرب لهم الأمثال ، ويصرّف لهم العبر ، ليعلموا أن الله هو أحقّ أن يُخاف ويعبد مما يعبدون من دونه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : أفلج الله إبراهيم عليه السلام حين خاصمهم ، فقال : وكَيْفَ أخافُ ما أشْرَكْتُمْ وَلا تَخافونَ أنّكمْ أشْرَكْتُمْ باللّهِ ما لَمْ يُنَزّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطانا فَأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَقّ بالأمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . ثم قال : وَتِلْكَ حُجّتُنا آتَيْناها إبْرَاهِيمَ على قَوْمِهِ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة مالك قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : قول إبراهيم حين سألهم : أيّ الفَرِيقَينِ أحَقّ بالأمْنِ هي حجة إبراهيم عليه السلام .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى عن إبراهيم حين سألهم : فَأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَقّ بالأمْنِ قال : وهي حجة إبراهيم عليه السلام .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : فَأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَقّ بالأَمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أمن يعبد ربا واحدا ، أم من يعبد أربابا كثيرة ؟ يقول قومه : الذين آمنوا بربّ واحد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَأيّ الفَرِيقَيْنِ أحَقّ بالأَمْنِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أمن خاف غير الله ولم يخفه ؟ أم من خاف الله ولم يخف غيره ؟ فقال الله تعالى : الّذِينَ آمَنُوا وَلمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ . . . الاَية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ أَخَافُ مَآ أَشۡرَكۡتُمۡ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمۡ أَشۡرَكۡتُم بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗاۚ فَأَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (81)

{ وكيف أخاف ما أشركتم } ولا يتعلق به ضر . { ولا تخافون أنكم أشركتم بالله } وهو حقيق بأن يخاف منه كل الخوف لأنه إشراك للمصنوع بالصانع ، وتسوية بين المقدور العاجز بالقادر الضار النافع . { ما لم ينزل به عليكم سلطانا } ما لم ينزل بإشراكه كتابا ، أو لم ينصب عليه دليلا . { فأي الفريقين أحق بالأمن } أي الموحدون والمشركون ، وإنما لم يقل أينا أنا أم أنتم احترازا من تزكية نفسه . { إن كنتم تعلمون } ما يحق أن يخاف منه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكَيۡفَ أَخَافُ مَآ أَشۡرَكۡتُمۡ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمۡ أَشۡرَكۡتُم بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗاۚ فَأَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (81)

عُطفت جملة { وكيف أخاف } على جملة : { ولا أخاف ما تشركون به } [ الأنعام : 80 ] ليبيّن لهم أنّ عدم خوفه من آلهتهم أقلّ عجباً من عدم خوفهم من الله تعالى ، وهذا يؤذن بأنّ قومه كانوا يعرفون الله وأنَّهم أشركوا معه في الإلهية غيره فلذلك احتجّ عليهم بأنّهم أشركوا بربّهم المعتَرف به دون أن يُنَزّل عليهم سلطاناً بذلك .

و { كيف } استفهام إنكاري ، لأنَّهم دعَوه إلى أن يخاف بأس الآلهة فأنكر هو عليهم ذلك وقلب عليهم الحجَّة ، فأنكر عليهم أنَّهم لم يخافوا الله حين أشركوا به غيره بدون دليل نصبه لهم فجَمَعَت ( كيف ) الإنكارَ على الأمرين .

قالوا وفي قوله : { ولا تخافون أنَّكم أشركتم } يجوز أن تكون عاطفة على جملة : { أخاف ما أشركتم } فيدخل كلتاهما في حكم الإنكار ، فخوفُه من آلهتهم مُنكر ، وعدم خوفهم من الله منكر .

ويجوز أن تكون الواو للحال فيكون محلّ الإنكار هو دعوتَهم إيّاه إلى الخوف من آلهتهم في حال إعراضهم عن الخوف ممَّن هو أعظم سلطاناً وأشدّ بطشاً ، فتفيد ( كيف ) مع الإنكار معنى التعجيب على نحو قوله تعالى : { أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم } [ البقرة : 44 ] . ولا يقتضي ذلك أنّ تخويفهم إيَّاه من أصنامهم لا ينكَر عليهم إلاّ في حال إعراضهم عن الخوف من الله لأنّ المقصود على هذا إنكار تحميق ومقابلة حال بحال ، لا بيان ما هو منكر وما ليس بمنكر ، بقرينة قوله في آخره { فأي الفريقين أحقّ بالأمن } . وهذا الوجه أبلغ .

و { ومَا أشركتُم } موصولة والعائد محذوف ، أي ما أشركتُم به . حذف لدلالة قوله : { ولا أخاف ما تشركون به } [ الأنعام : ] عليه ، والموصول في محلّ المفعول ( به ) ، ل { ما أشركتم } .

وفي قوله : { أنَّكم أشركتم } حُذفت ( من ) المتعلِّقة ب { تخافون } لاطِّراد حذف الجارّ مع ( أنّ ) ، أي من إشراككم ، ولم يقل : ولا تخافون الله ، لأنّ القوم كانوا يعرفون الله ويخافونه ولكنَّهم لم يخافوا الإشراك به . { وما لم ينزّل به عليكم سلطاناً } موصول مع صلته مفعول { أنَّكم أشركتم } .

ومعنى { لم يُنزّل به عليكم } لم يخبركم بإلهية الأصنام التي عبدتموها ولم يأمركم بعبادتها خبَراً تعلمون أنَّه من عنده فلذلك استعار لذلك الخبر التنزيل تشبيهاً لعظم قدره بالرفعة ، ولبلوغه إلى من هم دون المخبِر ، بنزول الشيء العالي إلى أسفلَ منه .

والسلطان : الحجّة لأنَّها تتسلَّط على نفس المخاصم ، أي لم يأتكم خبر منه تجعلونه حجَّة على صحَّة عبادتكم الأصنام .

والفاء في قوله : { فأي الفريقين } تفريع على الإنكار ، والتعجيب فَرع عليهما استفهاماً ملجئاً إلى الاعتراف بأنَّهم أوْلى بالخوف من الله من إبراهيم من آلهتهم . والاستفهام ب { أيّ } للتقرير بأنّ فريقه هو وحده أحقّ بالأمن .

والفريق : الطائفة الكثيرة من النّاس المتميِّزة عن غيرها بشيء يجمعها من نسب أو مكان أو غيرهما ، مشتقّ من فَرَق إذا ميّز . والفِرْقَة أقلّ من الفريق ، وأراد بالفريقين هنا قومه ونفسه ، فأطلق على نفسه الفريق تغليباً ، أو أراد نفسه ومن تبعه إن كان له أتباع ساعتئذٍ ، قال تعالى : { فآمن له لوط } [ العنكبوت : 26 ] ، أو أراد من سيوجد من أتباع ملَّته ، كما يناسب قوله { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } [ الأنعام : 82 ] .

والتعريف في { الأمن } للجنس ، وهو ضدّ الخوف ، وجملة { إن كنتم تعلمون } مستأنفة ابتدائية ، وجواب شرطها محذوف دلّ عليه الاستفهام ، تقديره : فأجيبوني ، وفيه استحثاث على الجواب .