معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (185)

قوله تعالى : { كل نفس } . منفوسة .

قوله تعالى : { ذائقة الموت } . وفي الحديث : " لما خلق الله تعالى آدم اشتكت الأرض إلى ربها لما أخذ منها ، فوعدها أن يرد فيها ما أخذ منها ، فما من أحد إلا ويدفن في التربة التي خلق منها .

قوله تعالى : { وإنما توفون أجوركم } . توفون جزاء أعمالكم .

قوله تعالى : { يوم القيامة } . إن خيرا فخير وإن شراً فشر .

قوله تعالى : { فمن زحزح } . نحي وأزيل .

قوله تعالى : { عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } . ظفر بالنجاة ونجا من الخوف .

قوله تعالى : { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } . يعني منفعة ومتعة كالفأس والقدر والقصعة ، ثم يزول ولا يبقى . وقال الحسن : كخضرة النبات ولعب البنات لا حاصل له . قال قتادة : هي متاع متروكة يوشك أن تضمحل بأهلها ، فخذوا من هذا المتاع بطاعة الله ما استطعتم ، " والغرور " الباطل .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أخبرنا محمد بن إسماعيل بن يحيى ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . واقرؤوا إن شئتم ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون ) . وأن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، واقرؤوا إن شئتم ( وظل ممدود ) ولموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما عليها ، واقرؤوا إن شئتم ( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ) .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (185)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ كُلّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنّمَا تُوَفّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِلاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } .

يعني بذلك تعالى ذكره : أن مصير هؤلاء المفترين على الله من اليهود المكذبين برسوله ، الذين وصف صفتهم ، وأخبر عن جراءتهم على ربهم ، ومصير غيرهم من جميع خلقه تعالى ذكره ، ومرجع جميعهم إليه ، لأنه قد حتم الموت على جميعهم ، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : لا يحزنك تكذيب من كذّبك يا محمد من هؤلاء اليهود وغيرهم ، وافتراء من افترى عليّ ، فقد كذّب قبلك رسل جاءوا من الاَيات والحجج من أرسلوا إليه بمثل الذي جئت من أرسلت إليه ، فلك فيهم أسوة تتعزّى بهم ، ومصير من كذّبك ، وافترى عليّ وغيرهم ، ومرجعهم إليّ ، فأوفي كل نفس منهم جزاء عمله يوم القيامة ، كما قال جلّ ثناؤه : { وإنّمَا تُوَفّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ } يعني أجور أعمالكم إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ . { فمنْ زُحزِحَ عن النارِ } ، يقول : فمن نحي عن النار وأبعد منها ، { فقَدْ فازَ } يقول : فقد نجا وظفر بحاجته ، يقال منه : فاز فلان بطلبته يفوز فوزا ومفازا ومفازة : إذا ظفر بها .

وإنما معنى ذلك : فمن نُحّي عن النار فأبعد منها ، وأدخل الجنة ، فقد نجا وظفر بعظيم الكرامة . { وَما الحَياةُ الدّنْيا إلاّ مَتاعُ الغُرُورِ } يقول : وما لذات الدنيا وشهواتها ، وما فيها من زينتها وزخارفها ، إلا متاع الغرور ، يقول : إلا متعة يمتعكموها الغرور والخداع المضمحل ، الذي لا حقيقة له عند الامتحان ، ولا صحة له عند الاختبار ، فأنتم تلتذّون بما متعكم الغرور من دنياكم ، ثم هو عائد عليكم بالفجائع والمصائب والمكاره ، يقول تعالى ذكره : لا تركنوا إلى الدنيا فتسكنوا إليها ، فإنما أنتم منها في غرور تمتعون ، ثم أنتم عنها بعد قليل راحلون . وقد رُوي في تأويل ذلك ما :

حدثني به المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن بكير بن الأخنس ، عن عبد الرحمن بن سابط في قوله : { وَما الحَياةُ الدّنيْا إلاّ مَتاعٌ الغُرُورِ } قال : كزاد الراعي ، تزوده الكف من التمر ، أو الشيء من الدقيق ، أو الشيء يشرب عليه اللبن .

فكأن ابن سابط ذهب في تأويله هذا إلى أن معنى الاَية : وما الحياة الدنيا إلا متاع قليل ، لا يبلغ من تمتعه ولا يكفيه لسفره .

وهذا التأويل وإن كان وجها من وجوه التأويل ، فإن الصحيح من القول فيه هو ما قلنا ، لأن الغرور إنما هو الخداع في كلام العرب ، وإذ كان ذلك كذلك فلا وجه لصرفه إلى معنى القلة ، لأن الشيء قد يكون قليلاً وصاحبه منه في غير خداع ولا غرور¹ وأما الذي هو في غرور فلا القليل يصح له ولا الكثير مما هو منه في غرور . والغرور مصدر من قول القائل : غرني فلان ، فهو يغرني غرورا بضم الغين¹ وأما إذا فتحت الغين من الغرور فهو صفة للشيطان الغرور الذي يغر ابن آدم حتى يدخله من معصية الله فيما يستوجب به عقوبته . وقد :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبدة وعبد الرحيم ، قالا : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو وسلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَوْضعُ سَوْطٍ فِي الجَنّة خَيْرٌ مِنَ الدّنْيا وَما فِيها ، وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ { وَما الحَياةُ الدّنيْا إلاّ مَتاعُ الغرُورِ } » .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (185)

{ كل نفس ذائقة الموت } وعد ووعيد للمصدق والمكذب . وقرئ { ذائقة الموت } بالنصب مع التنوين وعدمه كقوله : { ولا يذكرون الله إلا قليلا } { وإنما توفون أجوركم تعطون جزاء أعمالكم خيرا كان أو شرا تاما وافيا . { يوم القيامة } يوم قيامكم من القبور ، ولفظ التوفية يشعر بأنه قد يكون قبلها بعض الأجور ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام : " القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " . { فمن زحزح عن النار } بعد عنها ، والزحزحة في الأصل تكرير الزح وهو الجذب بعجلة . { وأدخل الجنة فقد فاز } بالنجاة ونيل المراد ، والفوز الظفر بالبغية . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، ويأتي إلى الناس ما يجب أن يؤتى إليه " . { وما الحياة الدنيا } أي لذاتها وزخارفها . { إلا متاع الغرور } شبهها بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ، وهذا لمن أثرها على الآخرة . فأما من طلب بها الآخرة فهي له متاع بلاغ والغرور مصدر أو جمع غار .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (185)

هذا خبر واعظ فيه تسلية للنبي عليه السلام ولأمته عن أمر الدنيا وأهلها ، ووعد في الآخرة ، فبالفكرة في الموت يهون أمر الكفار وتكذيبهم ، والمعنى : كل نفس مخلوقة حية ، والذوق هنا : استعارة { وإنما } حاصرة على التوفية التي هي على الكمال ، لأن من قضي له بالجنة فهو ما لم يدخلها غير موفى ، وخص تعالى ذكر «الأجور » لشرفها وإشارة مغفرته لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، ولا محالة أن المعنى : أن يوم القيامة تقع توفية الأجور وتوفية العقاب ، و { زحزح } معناه : أبعد ، والمكان الزحزح : البعيد ، وفاز معناه : نجا من خطره وخوفه ، و { الغرور } ، الخدع والترجية بالباطل ، والحياة الدنيا وكل ما فيها من الأموال فهي متاع قليل تخدع المرء وتمنيه الأباطيل وعلى هذا فسر الآية جمهور من المفسرين ، قال عبد الرحمن بن سابط : { متاع الغرور } كزاد الراعي يزود الكف من التمر أو الشيء من الدقيق يشرب عليه اللبن ، قال الطبري : ذهب إلى أن متاع الدنيا قليل لا يكفي من تمتع به ولا يبلغه سفره .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : و { الغرور } في هذا المعنى مستعمل في كلام العرب ، ومنه قولهم في المثل : عش ولا تغتر{[3758]} ، أي لا تجتزىء بما لا يكفيك ، وقال عكرمة : { متاع الغرور } ، القوارير أي لا بد لها من الانكسار والفساد ، فكذلك أمر الحياة الدنيا كله .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه :

وهذا تشبيه من عكرمة ، وقرأ عبد الله بن عمير{[3759]} «الغَرور » بفتح الغين ، وقرأ أبو حيوة والأعمش : { ذائقة } بالتنوين { الموت } بالنصب ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ، «لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها »{[3760]} ، ثم تلا هذه الآية .


[3758]:- هذا مثل يضرب للاحتياط؛ والأخذ بالثقة في الأمور، وكأنما يقال للراعي: عش إبلك من هذا العشب الحاضر ولا تغتر بالغائب فيفوتك، (جمهرة العسكري2/46، والميداني 1/311، والمستقصى: 242، واللسان: عشا).
[3759]:- الذي في القرطبي، والبحر، والنهاية لابن الجزري هو عبد الله بن عمر، ولعله هو عبد الله بن عمر بن أحمد بن شوذب الواسطي مقرئ متصدر. "النهاية لابن الجزري 1/437.
[3760]:- أخرجه ابن أبي شيبة، وهناد، وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، وابن حبان، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه-عن أبي هريرة، كما أخرجه ابن مردويه- عن سهل بن سعد مرفوعا. "فتح القدير للشوكاني2/ 374". "والدر المنثور 2/107". وذكر له ابن كثير عدة طرق غير هذه 1/435.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (185)

هذه الآية مرتبطة بأصل الغرض المسوق له الكلام ، وهو تسلية المؤمنين على ما أصابهم يوم أُحُد ، وتفنيد المنافقين في مزَاعمهم أنّ الناس لو استشاروهم في القتال لأشاروا بما فيه سلامتهم فلا يهلكوا ، فبعد أنّ بيّن لهم ما يدفع توهّمهم أنّ الانهزام كان خذلاناً من الله وتعجّبهم منه كيف يلحق قوماً خرجوا لنصر الدين وأن لا سبب للهزيمة بقوله : { إنما استزلهم الشيطان } [ آل عمران : 155 ] ثم بيّن لهم أنّ في تلك الرزّية فوائد بقول الله تعالى : { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم } [ آل عمران : 153 ] وقوله : { وليعلم المؤمنين } [ آل عمران : 166 ] ، ثم أمرهم بالتسليم لله في كلّ حال فقال : { وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله } [ آل عمران : 166 ] وقال : { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم } [ آل عمران : 156 ] الآية . وبيّن لهم أنّ قتلى المؤمنين الذين حزِنوا لهم إنّما هم أحياء ، وأنّ المؤمنين الذين لم يلحقوا بهم لا يضيع الله أجرهم ولا فَضْلَ ثباتهم ، وبيّن لهم أنّ سلامة الكفّار لا ينبغي أن تُحزن المؤمنين ولا أن تسرّ الكافرين ، وأبطل في خلال ذلك مقال المنافقين بقوله : { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم } [ آل عمران : 154 ] وبقوله : { الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا } [ آل عمران : 168 ] إلى قوله : { قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين } [ آل عمران : 168 ] ختم ذلك كلّه بما هو جامع للغرضين في قوله تعالى : { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } لأنّ المصيبة والحزن إنّما نشآ على موت من استشهد من خيرة المؤمنين ، يعني أنّ الموت لمّا كان غاية كلّ حيّ فلو لم يموتوا اليوم لماتوا بعدَ ذلك فلا تأسفوا على موت قتلاكم في سبيل الله ، ولا يفتنكم المنافقون بذلك ، ويكون قوله بعده : { وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } قصر قلب لتنزيل المؤمنين فيما أصابهم من الحزن على قتلاهم وعلى هزيمتهم ، منزلة من لا يترقّب من عمله إلاّ منافع الدنيا وهو النصر والغنيمة ، مع أنّ نهاية الأجر في نعيم الآخرة ، ولذلك قال : { توفون أجوركم } أي تكمل لكم ، وفيه تعريض ، بأنّهم قد حصلت لهم أجور عظيمة في الدنيا على تأييدهم للدين : منها النصر يوم بدر ، ومنها كفّ أيدي المشركين عنهم في أيام مقامهم بمكّة إلى أن تمكّنوا من الهجرة .

والذوق هنا أطلق على وِجدانِ الموت ، تقدّم بيان استعماله عند قوله آنفاً : { ونقول ذوقوا عذاب الحريق } [ آل عمران : 181 ] وشاع إطلاقه على حصول الموت ، قال تعالى : { لا يذوقون فيها الموت } [ الدخان : 56 ] ويقال ذاق طعم الموت .

والتوفية : إعطاء الشيء وافياً . ويطلقها الفقهاء على مطلق الإعطاء والتسليم ، والأجور جمع الأجر بمعنى الثواب ، ووجه جمعه مراعاة أنواع الأعمال . ويوم القيامة يومُ الحشر سمّي بذلك لأنّه يقوم فيه الناس من خمود الموت إلى نهوض الحياة .

والفاء في قوله : { فمن زحزح } للتفريع على { توفون أجوركم } ، ومعنى : { زحزح } أبعد . وحقيقةُ فعل زحزح أنها جذبٌ بسرعة ، وهو مضاعف زَحَّه عن المكان إذا جذبه بعجلة .

وإنّما جُمع بين { زُحزح عن النار وأدخل الجنة } ، مع أنّ في الثاني غنية عن الأوّل ، للدلالة على أنّ دخول الجنة يشتمل على نعمتين عظيمتين : النجاة من النار ، ونعيم الجنّة .

ومعنى { فقد فاز } نال مبتغاه من الخير لأنّ ترتّب الفوز على دخول الجنّة والزحزحة عن النار معلوم فلا فائدة في ذكر الشرط إلاّ لهذا . والعرب تعتمد في هذا على القرائن ، فقد يكون الجواب عين الشرط لبيان التحقّق ، نحو قول القائل : من عرفني فقد عرفني ، وقد يكون عينه بزيادة قيد نحو قوله تعالى : { وإذا مروا باللغو مروا كراما } وقد يكون على معنى بلوغ أقصى غايات نوع الجواب والشرط كما في هذه الآية وقوله : { ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته } على أحد وجهين ، وقول العرب : « مَنْ أدرك مَرْعَى الصَّمَّان فقَدْ أدرك » وجميع ما قرّر في الجواب يأتي مثله في الصفة ونحوها كقوله : { ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا } [ القصص : 63 ] .