الزحزحة : التنحية والإبعاد ، تكرير الزح وهو الجذب بعجلة ويقال : مكان زحزح أي بعيد .
الفوز : النجاة مما يحذر والظفر بما يؤمل ، وسميت الأرض القفر البعيدة المخوف من الهلاك فيها مفازة على سبيل التفاؤل ، لا من قطعها فاز .
وقيل : لأنها مظنة تفويز ، ومظنة هلاك .
{ كل نفس ذائقة الموت } تضمنت هذه الجملة وما بعدها الوعظ والتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدنيا وأهلها ، والوعد بالنجاة في الآخرة بذكر الموت ، والفكرة فيه تهون ما يصدر من الكفار من تكذيب وغيره .
ولمّا تقدّم ذكر المكذبين الكاذبين على الله من اليهود والمنافقين وذكرهم المؤمنين ، نبهوا كلهم على أنهم ميتون ومآلهم إلى الآخرة ، ففيها يظهر الناجي والهالك ، وأنَّ ما تعلقوا به في الدنيا من مال وأهل وعشيرة إنما هو على سبيل التمتع المغرور به ، كلها تضمحل وتزول ولا يبقى إلا ما عمله الإنسان ، وهو يوفاه في الآخرة ، يوفى على طاعته ومعصيته .
وقال محمد بن عمر الرازي : في هذه الآية دلالة على أن النفس لا تموت بموت البدن ، وعلى أن النفس .
وهذه مكابرة في الدلالة ، فإنّ ظاهر الآية يدل على أن النفس تموت .
قال أيضاً : لفظ النفس مختص بالأجسام انتهى .
وقرأ اليزيدي : ذائقة بالتنوين ، الموت بالنصب ، وذلك فيما نقله عنه الزمخشري .
ونقلها ابن عطية عن أبي حيوة ، ونقلها غيرهما عن الأعمش ، ويحيى ، وابن أبي إسحاق .
وقرأ الأعمش فيما نقله الزمخشري ذائقة بغير تنوين الموت بالنصب ومثله :
فألفيته غر مستعتب *** ولا ذاكر الله إلا قليلا
حذف التنوين لالتقاء الساكنين ، كقراءة من قرأ { قل هو الله أحد .
الله الصمد } بحذف التنوين من أحد { وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } لفظ التوفية يدل على التكميل يوم القيامة ، فما قبله من كون القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار ، هو بعض الأجور .
وما لم يدخل الجنة أو النار فهو غير موفى .
والذي يدل عليه السياق أنّ الأجور هي ما يترتب على الطاعة والمعصية ، وإن كان الغالب في الاستعمال أنّ الأجر هو ما يترتب على عمل الطاعة .
ولهذا قال ابن عطية : وخص تعالى ذكر الأجور لشرفها ، وإشارة إلى مغفرته لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمّته .
ولا محالة أنّ يوم القيامة يقع فيه توفية الأجور ، وتوفية العقوبات انتهى .
{ فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } علق الفوز وهو نيل الحظ من الخير والنجاة من الشرّ على التنحية من النار ودخول الجنة ، لأن من لم ينج عن النار بل أدخلها ، وإن كان سيدخل الجنة لم يفز كمن يدخلها من أهل الكبائر .
ومن نحى عنها ولم يدخل الجنة كأصحاب الأعراف ، لم يفز أيضاً .
وروي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من سره أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ، قيل : فاز معناه نجا »
{ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } المتاع : ما يستمتع به من آلات وأموال وغير ذلك .
وفسّره عكرمة : بالفأس ، والقصعة ، والقدر .
وفسره الحسن فقال : هو كخضرة النبات ، ولعب البنات لا حاصل له يلمع لمع السراب ، ويمر مرّ السحاب ، وهذا من عكرمة والحسن على سبيل التمثيل .
قال الزمخشري : شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ، ثم يتبين له فساده ورداءته ، والشيطان هو المدلس .
وقال سعيد بن جبير : إنما هذا لمن آثرها على الآخرة ، فأمّا من طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ .
وقال عكرمة أيضاً : متاع الغرور القوارير التي لا بد لها من الانكسار والفساد ، فكذلك أمر الدنيا كله .
وهذا تشبيه من عكرمة والغرور الخدع والترجئة بالباطل .
وقال عبد الرحمن بن سابط : متاع الغرور كزاد الراعي يزود الكف من التمر والشيء من الدقيق يشرب عليه اللبن ، يعني : أن متاع الدنيا قليل لا يكفي من تمتع به ولا يبلغه سفره .
وقال ابن عرفة : الغرور ما رأيت له ظاهراً حسناً وله باطن مكروه أو مجهول ، والشيطان غرور لأنه يحمل على مخبآت الناس ووراء ذلك ما يسوء .
قال : ومن هذا بيع الغرور ، وهو ما كان له ظاهر بيع وباطن مجهول .
وقال أبو مسلم الأصبهاني : وما الحياة الدنيا بحذف المضاف تقديره : وما نفع الحياة الدنيا إلا نفع الغرور .
أي : نفع يغفل عن النفع الحقيقي لدوامه ، وهو النفع في الحياة الأخروية .
وإضافة المتاع إلى الغرور أنْ جعل الغرور جمعاً فهو كقولك : نفع الغافلين .
وإنْ جعل مصدراً فهو كقولك : نفع إغفال ، أي إهمال فيورث الغفلة عن التأهب للآخرة .
وقرأ عبد الله بن عمر : المغرور بفتح الغين ، وفسَّر بالشيطان ويحتمل أن يكون فعولاً بمعنى مفعول ، أي : متاع المغرور ، أي : المخدوع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.