تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (185)

الآية 185 وقوله تعالى : { كل نفس ذائقة الموت } فيه دلائل :

أحدهما : دليل إثبات الرسالة لانه ليس في العقل ألا تبقى هذه الأنفس أبدا ( أولا ) {[4682]} تدوم ولا فيها آثار فنائها ثم وجود العلم من كل منهم بالموت والتسليم له والإقرار منهم ان كل نفس تموت يد ل منهم إنما عرفوا ذلك وأيقنوا به من خبر السماء بالوحي والله أعلم .

ثم إن كل حي{[4683]} يتلذذ بحياته وجب ( الموت عليه ) {[4684]} وينكره ويبغضه{[4685]} دل أن هذا العالم لم يكن بالطباع ولكن كان بغيره لما يتلذذ به طبع كل منهم بالحياة وينكره بالموت ويتبغضه غذ لو إذا كان به{[4686]} إذ لو كان به{[4687]} لكان يختار ما يتلذذ به ويدفع ما ينكره ودل أن غيرا فعل ذلك وخلق لما ذكر : { خلق الموت والحياة } الآية ( الملك 2 ) وفي ذلك بطلان قول أصحاب الطبائع وأيضا إن كل نفس يجتمع فيها الطبائع المختلفة المتضادة التي من طبعها الناقور{[4688]} ل م يجز ان يكون لنفسه تجتمع ودل أن له جامعا{[4689]} وأيضا ان العالم لو كان بنفسه وطبعه لاختار كل لنفسه أموالا أحسن الأموال وألذها فيبطل به الشرور والقبائح فدل وجود ذلك على كونه بغيره .

ثم فيه أن ذلك الغير الذي كان به العالم واحد لا عدد إذ لو كان بعدد لم يحتمل وجود العالم على الطبائع المختلفة والهمم المتفرقة ما جمع هذا فرق الآخر وما أثبت هذا نفى{[4690]} الآخر وفي ذلك هنا فساد الربوبية فدل موجودة على ما ذكرنا انه واحد لا عدد فاتسق تدبيره ونفذ أمره مع ما كان الأمر المعتاد بين الملوك في الشاهد ان فعل هذا نقض الآخر وما رام هذا إيجاده يريد الآخر إعدامه ما أبقى هذا أراد الآخر إفناءه وفي ذلك تناقض وتناف فدل الوجود على أن الذي به كان واحد{[4691]} لا عداد{[4692]} ثم يحتمل على الاصطلاح منهم لانه يدل على العجز والجهل إن العجز والجهل هو الذي حملهم على الاصطلاح والعاجز والجاهل لا يصلح أن يكون إلها وربا وبالله التوفيق .

ثم الدلالة على حكمته وعلمه ما لم يعاين شيء ولا يشاهد إلا وفيه حكمة ودلالة بديعة مما يعجز عن إدراك ماهيته وكيفية خروجه على ما خرج وعلم كل احد يقصر{[4693]} على ما عنده من الحكمة والعلم عم إدراك منه ذلك في ما ذكرنا وخروج الفعل متقنا محكما دلالة حكمة مبدعة وخالقه ب الله التوفيق .

ثم الدلالة أنه لم يخلق الخلق للفناء خاصة ولكن خلق للعواقب يؤمل{[4694]} ويرجى ويخاف ويحذر .

وخروج فعل كل واحد في الشاهد من الحكمة إذا بني للفناء والنقص فإذا كانت {[4695]} الحكمة التي هي جزاء خرج{[4696]} فعله عن الحكمة إذا كان ذلك ( لفناء والهلاك خاصة وخروج كل ( فعل ) {[4697]} عن ذلك ) {[4698]} أحرى وأولى أن يكون سفها لا حكمة والله الموفق .

قال : ذلت طمأنينة القلوب بموت كل نفس وترك حكماء البشر الاحتيال في دفعه على ما ليس في الجوهر دليله ولا في العقل امتناعه أنه عرف بمنزلة التدبير فيها بال وحي إليه ، وفي تلك إي جاب القول بالرسول ثم دل قهر جميع الحكماء فيه على حب الحياة إليهم وبغض الموت عندهم على خروج جميع الأحياء عن تدبيرهم وفي خروجهم خروج الأموات إذ هم تحت تدبير الإحياء .

ثم طمأنينة كل قلب على الموت دلالة التدبير للواحد إذ لو كان لأكثر لتجوز التمانع وإبطال الوارد من الحي وفي ذلك ارتياب مع ما كانت كل نفس تحت أمور تقهرها وتحوجها{[4699]} إلى أمور تعلم أن مدبرها هيأها على ذلك وطبعها وأنه العليم بما به صلاحها وقوا مها وإليه حاجتها وعلى ذلك جبلها ليظهر عظم حكمته وتعاليه عن الشرك في التدبير أو المعونة في التقدير .

ثم لا يحتمل نشوء مثله على ما جرى من حكمته في موت كل أنه كان للموت أنشأ لا لغيره{[4700]} إذ تدبير فعل واحد للفناء خاص ة من حكماء البشر يخرج عن معنى الحكمة يدل على قصور صاحب ذلك وسفهه فجملة العالم الذي كانت حكمة الحكماء جزءا{[4701]} منها وعقل العقلاء بعضا{[4702]} منها أحق وأولى . فثبت أنه أنشأت { ليوم عظيم } { يوم يقوم الناس لرب العالمين } ( المصطفين 5 و6 ) يوم تجزى كل نفس بما عملت{[4703]} وذلك قوله : { كل نفس ذائقة الموت } الآية .

وقوله تعالى : وإنما توفون أجوركم يوم القيامة } لما / 76 – أ / ذكرنا أنهم لها خلقوا أعني : الآخرة للجزاء والثواب .

وقوله تعالى : { فمن زحزح عن النار } قيل : أبعد{[4704]} ونجا { وأدخل الجنة فقد فاز } قيل : فاز نجا ، وقيل : سعد وقيل : الفائز السابق وقيل : فاز غنم . وأصل الفوز النجاة أي نجا مما يخاف ويحذر ويظفر بما يأمل {[4705]} ويرجو .

وقوله : { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } حياة الدنيا لعب ولهو وغرور والآخرة ليست بلعب ولا لهو ولا غرور . واصل الغرور هو أ ن يتراءى الشيء في ظاهره حسنا مموها يغتر بها كل ناظر إليها ظاهرا فإذا نظر في باطنها وجدها قاتلة مهلكة نعوذ بالله من الاغترار بها . وقيل : { الحياة الدنيا } على ما عند أولئك الكفرة لعب ولهو وعند المؤمنين حكمة .


[4682]:من م في الأصل و.
[4683]:من م في الأصل: وحي.
[4684]:في الأصل و م: ذلك إليه.
[4685]:في الأصل و م: ويقبضه.
[4686]:من م في الأصل: ويتبغظه.
[4687]:من م في الأصل فيه.
[4688]:الناقور: القلب.
[4689]:في الأصل و م: جامع.
[4690]:من م في الأصل: لفي.
[4691]:في الأصل: و م: واحد.
[4692]:في الأصل و م: عدد.
[4693]:في الأصل و م: يتصور علمه.
[4694]:في الأصل و م: يتأمل.
[4695]:في الأصل و م: كان.
[4696]:في الأصل: في م: يخرج.
[4697]:ساقطة من م
[4698]:ساقطة من الأصل.
[4699]:في الأصل يجو رها.
[4700]:في الأصل و م: لغير.
[4701]:في الأصل و م: جزء.
[4702]:في الأصل و م: بعض.
[4703]:في الأصل و م: عمل.
[4704]:في الأصل و م: بعد.
[4705]:في الأصل: و م: بتأمل.