معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُۥۖ وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسٗا} (108)

قوله تعالى : { يومئذ يتبعون الداعي } أي صوت الداعي الذي يدعوهم إلى موقف القيامة ، وهو إسرافيل ، وذلك أنه يضع الصور في فيه ويقول : أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلموا إلى عرض الرحمن . { لا عوج له } يعني : لدعائه وهو من المقلوب يعني : لا عوج لهم عن دعاء الداعي ، لا يزيغون عنه يميناً وشمالاً ، ولا يقدرون عليه بل يتبعونه سراعاً . { وخشعت الأصوات للرحمن } ، يعني : سكتت وذلت وخضعت ، ووصف الأصوات بالخشوع والمراد أهلها { فلا تسمع إلا همساً } يعني : صوت ووطء الأقدام إلى المحشر ، والهمس : الصوت الخفي كصوت أخفاف الإبل في المشي . وقال مجاهد : هو تخافت الكلام وخفض الصوت . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : تحريك الشفاه من غير نطق .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُۥۖ وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسٗا} (108)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ يَتّبِعُونَ الدّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرّحْمََنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً } .

يقول تعالى ذكره : يومئذٍ يتبع الناس صوت داعي الله الذي يدعوهم إلى موقف القيامة ، فيحشرهم إليه لا عِوَجَ لَهُ يقول : لا عوج لهم عنه ولا انحراف ، ولكنهم سراعا إليه ينحشرون . وقيل : لا عوج له ، والمعنى : لا عوج لهم عنه ، لأن معنى الكلام ما ذكرنا من أنه لا يعوجون له ولا عنه . ولكنهم يؤمونه ويأتونه ، كما يقال في الكلام : دعاني فلان دعوة لا عوج لي عنها : أي لا أعوج عنها . وقوله " وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ للرّحْمَنِ " يقول تعالى ذكره : وسكنت أصوات الخلائق للرحمن فوصف الأصوات بالخشوع . والمعنى لأهلها إنهم خُضّع جميعهم لربهم ، فلا تسمع لناطق منهم منطقا إلاّ من أذن له الرحمن ، كما :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : " وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ للرّحْمَنِ " يقول : سكنت .

وقوله : " فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا " يقول : إنه وطء الأقدام إلى المحشر . وأصله : الصوت الخفيّ ، يقال همس فلان إلى فلان بحديثه إذا أسرّه إليه وأخفاه ومنه قول الراجز :

وَهُنّ يَمْشِينَ بنا هَمِيسَا *** إنْ يَصْدُقِ الطّيْرُ نَنِكْ لَمِيسَا

يعني بالهمس : صوت أخفاف الإبل في سيرها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عليّ بن عابس ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس " فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا " قال : وطء الأقدام .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ للرّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا " يعني : همس الأقدام ، وهو الوطء .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس " فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا " يقول : الصوت الخفيّ .

حدثنا إسماعيل بن موسى السديّ ، قال : أخبرنا شريك ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن عكرمة " فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا " قال : وطء الأقدام .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا سليمان ، قال : حدثنا حماد ، عن حميد ، عن الحسن " فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا " قال : همس الأقدام .

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قادة فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا قال قتادة : كان الحسن يقول : وقع أقدام القوم .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا " قال : تهافتا ، وقال : تخافت الكلام .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : هَمْسا قال : خفض الصوت .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قال : خفض الصوت ، قال : وأخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قال : كلام الإنسان لا تسمع تحرّك شفتيه ولسانه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قوله : " فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا " يقول : لا تسمع إلاّ مشيا ، قال : المشي الهمس : وطء الأقدام .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُۥۖ وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسٗا} (108)

{ يومئذ } أي يوم إ نسقت على إضافة اليوم إلى وقت النسف ، ويجوز أن يكون بدلا ثانيا من يوم القيامة . { يتبعون الداعي } داعي الله إلى المحشر ، قيل هو إسرافيل يدعو الناس قائما على صخرة بيت المقدس فيقلبون من كل أوب إلى صوبه { لا عوج له } لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه . { وخشعت الأصوات للرحمن } خفضت لمهابته . { فلا تسمع إلا همسا } صوتا خفيا ومنه الهميس لصوت أخفاف الإبل ، وقد فسر الهمس بخفق أقدامهم ونقلها إلى المحشر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُۥۖ وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسٗا} (108)

المعنى يوم ننسف الجبال يتبع الخلق داعي الله إلى المحشر وهذا نحو قوله تعالى { مهطعين إلى الداع }{[8159]} [ القمر : 8 ] وقوله تعالى { لا عوج له } يحتمل أن يريد الإخبار به أي لا شك فيه ولا يخالف وجوده خبره ، ويحتمل أن يريد لا محيد لأحد عن اتباعه والمشي نحو صوته . و «الخشوع التطامن والتواضع وهي الأصوات استعارة بمعنى : الخفاءِ والاستسرار ومعنى { للرحمن } أي لهيبته وهول مطلع قدرته{[8160]} ، و » الهمس «الصوت الخفي الخافت وقد يحتمل أن يريد » بالهمس «المسموع تخافتهم بينهم وكلامهم السر ، ويحتمل أن يريد صوت الأقدام وأن أصوات النطق ساكنة .


[8159]:من قوله تعالى في الآية (8) من سورة (القمر): {مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر}. والداعي هو إسرافيل عليه السلام إذا نفخ في الصور، لا يملك أحد أن يتخلف عن دعوته، بل يسرعون إليه، ولا يحيدون عنه، وهذا هو معنى {لا عوج}، وقيل: المعنى: لا عوج لدعائه، وقيل: يتبعون الداعي اتباعا لا عوج له، فالمصدر مضمر، والضمير عائد على ذلك المصدر.
[8160]:نقل أبو حيان عبارة ابن عطية هنا، وجاءت فيه "لهيبته وهو مطلع قدرته".