البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَوۡمَئِذٖ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُۥۖ وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسٗا} (108)

الهمس : الصوت الخفي قاله أبو عبيدة .

وقيل : وطء الأقدام .

قال الشاعر :

وهن يمشين بنا هميساً . . .

ويقال للأسد الهموس لخفاء وطئه ، ويقال همس الطعام مضغه .

{ يومئذ } أي يوم إذ ينسف الله الجبال { يتبعون } أي الخلائق { الداعي } داعي الله إلى المحشر نحو قوله { مهطعين إلى الداع } وهو إسرافيل يقوم على صخرة بيت المقدس يدعو الناس فيقبلون من كل جهة يضع الصور في فيه ، ويقول : أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرّقة هلم إلى العرض على الرحمن .

وقال محمد بن كعب : يجمعون في ظلمة قد طويت السماء وانتثرت النجوم فينادي مناد فيموتون موته .

وقال عليّ بن عيسى { الداعي } هنا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعوهم إلى الله فيعوجون على الصراط يميناً وشمالاً ويميلون عنه ميلاً عظيماً ، فيومئذ لا ينفعهم اتباعه ، والظاهر أن الضمير في { له } عائد على { الداعي } نفى عنه العوج أي { لا عوج } لدعائه يسمع جميعهم فلا يميل إلى ناس دون ناس .

وقيل : هو على القلب أي { لا عوج } لهم عنه بل يأتون مقبلين إليه متبعين لصوته من غير انحراف .

وقال الزمخشري : أي لا يعوج له مدعوّ بل يستوون إليه انتهى .

وقيل { لا عوج له } في موضع وصف لمنعوت محذوف أي اتباعاً { لا عوج له } فيكون الضمير في { له } عائداً على ذلك المصدر المحذوف .

وقال ابن عطية يحتمل أن يريد به الإخبار أي لا شك فيه ، ولا يخالف وجوده خبره ويحتمل أن يريد لا محيد لأحد عن اتباعه ، والمشي نحو صوته والخشوع التطامن والتواضع وهو في الأصوات استعارة بمعنى الخفاء .

والاستسرار للرحمن أي لهيبة الرحمن وهو مطلع قدرته .

وقيل هو على حذف مضاف أي وخشع أهل الأصوات والهمس الصوت الخفي الخافت ، ويحتمل أن يريد بالهمس المسموع تخافتهم بينهم وكلامهم السر ، ويحتمل أن يريد صوت الأقدام وأن أصوات النطق ساكنة .

وقال الزمخشري : { إلا همساً } وهو الركز الخفي ومنه الحروف المهموسة .

وقيل : هو من همس الإبل وهو صوت إخفافها إذا مشت ، أي لا يسمع إلا خَفْقُ الأقدام ونقلها إلى المحشر انتهى .

وعن ابن عباس وعكرمة وابن جبير : الهمس وطء الأقدام ، واختاره الفراء والزجاج وعن ابن عباس أيضاً تحريك الشفاه بغير نطق ، وعن مجاهد الكلام الخفي ويؤيده قراءة أُبَيّ فلا ينطقون { إلا همساً }