فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَوۡمَئِذٖ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُۥۖ وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسٗا} (108)

{ يومئذ } أي يوم نسف الجبال { يتبعون الداعي } أي يتبع الناس داعي الله إلى المحشر فيقبلون من كل أوب إلى صوبه . قال الفراء : يعني بالداعي صوت الحشر ، وقيل هو إسرافيل إذا نفخ في الصور ، والراجح أن الداعي جبريل والنافخ إسرافيل تأمل .

{ لا عوج له } أي معدل لهم عن دعائه فلا يقدرون على أن يزيغوا عنه وينحرفوا منه بل يسرعون إليه ، كذا قال أكثر المفسرين ، وقيل لا عوج لدعائه ولا يزيغون عنه يمينا ولا شمالا ، بل يتبعونه ويأتونه سراعا ولا يميلون إلى ناس دون ناس ، وقيل لا عوج لذلك الإتباع ، والأول أظهر .

وعن محمد بن كعب القرظي قال : يحشر الناس يوم القيامة في ظلمة تطوي السماء وتتناثر النجوم وتذهب الشمس والقمر ؛وينادي مناد فيتبع الناس الصوت يؤمونه ، فذلك قول الله يومئذ { يتبعون الداعي لا عوج له } .

وعن أبي صالح في الآية قيل : يضع إسرافيل الصور في فيه ويقف على صخرة بيت المقدس وينادي : أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة والأوصال المتقطعة ، هلمي إلى عرض الرحمن فإن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء ، فيقبلون من كل أوب إلى صوبه لا يعدلون عنه ويستوون إليه من غير انحراف ، متبعين لصوته .

{ وخشعت الأصوات للرحمن } أي خفضت لهيبته وجلاله ؛ وقيل ضعفت لعظمته ، وقيل دلت من شدة الفزع ، وقيل سكنت ، قاله ابن عباس ، والمراد أصحاب الأصوات .

{ فلا تسمع إلا همسا } هو الصوت الخفي ، قاله ابن عباس ومجاهد . وقال أكثر المفسرين : هو صوت نقل الأقدام إلى المحشر ووطئها ، ومنه همست الإبل إذا سمع ذلك من وقع أخفافها على الأرض . وعن الضحاك وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن مثله ، وعن سعيد أيضا قال : سر الحديث والظاهر أن المراد هنا كل صوت خفي ، سواء كان بالقدم أو من الفم بتحريك الشفاه أو غير ذلك ، ويؤيده قراءة أبيّ : فلا ينطقون إلا همسا وهو مصدر همست الكلام ، من باب ضرب إذا أخفيته والاستثناء مفرغ . وقال الزمخشري : الهمس الذكر الخفي ومنه الحروف المهموسة .