قوله تعالى : { وقيضنا لهم } ، أي : بعثنا ووكلنا ، وقال مقاتل : هيأنا . وقال الزجاج : سببنا لهم . { قرناء } نظراء من الشياطين حتى أضلوهم ، { فزينوا لهم ما بين أيديهم } من أمر الدنيا حتى آثروه على الآخرة ، { وما خلفهم } من أمر الآخرة فدعوهم إلى التكذيب به وإنكار البعث ، { وحق عليهم القول في أمم } مع أمم . { قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين } .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَيّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيّنُواْ لَهُم مّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِيَ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مّنَ الْجِنّ وَالإِنْسِ إِنّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : وَقَيّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ وبعثنا لهم نُظراء من الشياطين ، فجعلناهم لهم قرناء قرنّاهم بهم يزيّنون لهم قبائح أعمالهم ، فزينوا لهم ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَقَيّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ قال : الشيطان .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : وَقَيّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ قال : شياطين .
وقوله : فَزَيّنُوا لَهُمْ ما بَينَ أيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ يقول : فزين لهؤلاء الكفار قرناؤهم من الشياطين ما بين أيديهم من أمر الدنيا . فحسنوا ذلك لهم وحبّبوه إليهم حتى آثروه على أمر الاَخرة وَما خَلْفَهُمْ يقول : وحسّنوا لهم أيضا ما بعد مماتهم بأن دعوهم إلى التكذيب بالمعاد ، وأن من هلك منهم ، فلن يُبعث ، وأن لا ثواب ولا عقاب حتى صدّقوهم على ذلك ، وسهل عليهم فعل كلّ ما يشتهونه ، وركوب كلّ ما يلتذونه من الفواحش باستحسانهم ذلك لأنفسهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فَزَيّنُوا لَهُمْ ما بَينَ أيْدِيهِمْ من أمر الدنيا وَما خَلْفَهُمْ من أمر الاَخرة .
وقوله : وَحَقّ عَلَيْهِمُ القَوْلُ يقول تعالى ذكره : ووجب لهم العذاب بركوبهم ما ركبوا مما زين لهم قرناؤهم وهم من الشياطين ، كما :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَحَقّ عَلَيْهِمُ القَوْلُ قال : العذاب .
في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الجِنّ والإنْسِ ، يقول تعالى ذكره : وحقّ على هؤلاء الذين قيضنا لهم قُرَناء من الشياطين ، فزيّنوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم العذاب في أمم قد مضت قبلهم من ضربائهم ، حقّ عليهم من عذابنا مثل الذي حَقّ على هؤلاء بعضهم من الجنّ وبعضهم من الإنس إنّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ يقول : إن تلك الأمم الذين حقّ عليهم عذابنا من الجنّ والإنس ، كانوا مغبونين ببيعهم رضا الله ورحمته بسخطه وعذابه .
{ وقيضنا } وقدرنا . { لهم } للكفرة . { قرناء } أخدانا من الشياطين يستولون عليهم استيلاء القبض على البيض وهو القشر ، وقيل أصل القيض البدل ومنه المقايضة لمعاوضة . { فزينوا لهم ما بين أيديهم } من أمر الدنيا واتباع الشهوات . { وما خلفهم } من أمر الآخرة وإنكاره . { وحق عليهم القول } أي كلمة العذاب . { في أمم } في جملة أمم كقول الشاعر :
إن تك عن أحسن الصنيعة مأ *** فوكا ففي آخرين قد أفكوا
وهو حال من الضمير المجرور . { وقد خلت من قبلهم من الجن والإنس } وقد عملوا مثل أعمالهم . { إنهم كانوا خاسرين } تعليل لاستحقاقهم العذاب ، والضمير { لهم } ولل { أمم } .
ثم وصف عز وجل حالهم في الدنيا وما أصابهم به حين أعرضوا ، فختم عليهم فقال : { وقيضنا لهم قرناء } أي يسرنا لهم { قرناء } سوء من الشياطين وغواة الإنس .
وقوله : { فزينوا لهم ما بين أيديهم } أي علموهم وقرروا في نفوسهم معتقدات سوء في الأمور التي تقدمتهم من أمر الرسل والنبوات ، ومدح عبادة الأصنام واتباع فعل الآباء إلى غير ذلك مما يقال إنه بين أيديهم ، وذلك كل ما تقدمهم في الزمان واتصل إليهم أثره أو خبره ، وكذلك أعطوهم معتقدات سوء فيما خلفهم وهو كل ما يأتي بعدهم من القيامة والبعث ونحو ذلك مما يقال فيه إنه خلف الإنسان ، فزينوا لهم في هذين كل ما يرديهم ويفضي بهم إلى عذاب جهنم .
وقوله : { وحق عليهم القول } أي سبق القضاء الحتم ، وأمر الله بتعذيبهم في جملة أمم معذبين كفار { من الجن والإنس } وقالت فرقة : { في } بمعنى : مع ، أي مع أمم ، والمعنى يتأدى بالحرفين ، ولا نحتاج أن نجعل حرفاً بمعنى حرف إذ قد أبى ذلك رؤساء البصريين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.