السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَقَيَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ} (25)

ولما ذكر وعيدهم في الدنيا والآخرة أتبعه سبب كفرهم الذي هو سبب الوعيد فقال تعالى : { وقيّضنا } قال مقاتل : هيأنا وقال الزجاج : سببنا { لهم } أي : للكفرة وأصل التقييض : التيسير والتهيئة يقال : قيضته للدواء هيأته له ويسرته ، وهذان ثوبان قيضان أي : كل منهما مكافئ للآخر في الثمن وقوله تعالى : { قرناء } أي : نظراء من الشياطين حتى أضلوهم ، جمع قرين قال تعالى : { ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيّض له شيطاناً فهو له قرين } ( الزخرف ، 36 ) { فزينوا لهم } أي : من القبائح { ما بين أيديهم } أي : من أمر الدنيا حتى آثروها على الآخرة { وما خلفهم } أي : من أمر الآخرة فدعوهم إلى التكذيب وإنكار البعث ، وقال الزجاج : زينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الآخرة أنه لا بعث ولا جنة ولا نار ، وما خلفهم من أمر الدنيا بأن الدنيا قديمة ولا صانع إلا الطبائع والأفلاك ، قال القشيري : إذا أراد الله بعبده سوءاً قيض له إخوان سوء وقرناء سوء يحملونه على المخالفات ويدعونه إليها ، ومن ذلك الشيطان ، وشر منه النفس وبئس القرين ، تدعو اليوم إلى ما فيه الهلاك وتشهد غداً عليه ، وإذا أراد الله بعبده خيراً قيض الله له قرناء خير يعينونه على الطاعة ويحملونه عليها ويدعونه إليها .

وروي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إذا أراد الله بعبد شراً قيض له قبل موته شيطاناً فلا يرى حسناً إلا قبحه عنده ولا قبيحاً إلا حسنه عنده » . وعن عائشة : إذا أراد الله بالوالي خيراً قيض له وزير صدق إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه ، وإن أراد غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه ، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه ، والمعصوم من عصمه الله تعالى » .

تنبيه : في الآية دلالة على أنه تعالى يريد الكفر من الكافرين لأنه تعالى قيض لهم قرناء سوء فزينوا لهم الباطل ، وهذا يدل على أنه تعالى أراد منهم الكفر ولكن لا يرضاه كما قال تعالى : { ولا يرضى لعباده الكفر } ( الزمر : 7 ) . { وحق } أي : وجب وثبت { عليهم القول } أي : كلمة العذاب ، وقرأ أبو عمرو في الوصل بكسر الهاء والميم ، وحمزة والكسائي بضم الهاء والميم ، والباقون بكسر الهاء وضم الميم وقوله تعالى : { في أمم } محله نصب على الحال من الضمير في عليهم أي : حق عليهم القول كائنين في جملة أمم كثيرة ، وفي بمعنى مع { قد خلت } أي : لم تتعظ أمة منهم بالأخرى { من قبلهم } أي : في الزمان { من الجن والأنس } قد عملوا مثل أعمالهم ، وقوله تعالى : { إنهم } أي : جميع المذكورين منهم وممن قبلهم { كانوا خاسرين } تعليل لاستحقاقهم العذاب .