فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَقَيَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ} (25)

قوله : { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء } أي هيأنا قرناء من الشياطين . وقال الزجاج : سببنا لهم قرناء حتى أضلوهم . وقيل : سلطنا عليهم قرناء . وقيل : قدّرنا ، والمعاني متقاربة ، وأصل التقييض التيسير والتهيئة ، والقرناء جمع قرين ، وهم الشياطين ، جعلهم بمنزلة الأخلاء لهم . وقيل : إن الله قيض لهم قرناء في النار ، والأولى أن ذلك في الدنيا لقوله : { فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } فإن المعنى : زينوا لهم ما بين أيديهم من أمور الدنيا وشهواتها ، وحملوهم على الوقوع في معاصي الله بانهماكهم فيها ، وزينوا لهم ما خلفهم من أمور الآخرة ، فقالوا : لا بعث ، ولا حساب ، ولا جنة ، ولا نار . وقال الزجاج : ما بين أيديهم ما عملوه ، وما خلفهم ما عزموا على أن يعملوه . وروي عن الزجاج أيضاً ، أنه قال : ما بين أيديهم من أمر الآخرة أنه لا بعث ، ولا جنة ، ولا نار ، وما خلفهم من أمر الدنيا { وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول } أي : وجب ، وثبت عليهم العذاب ، وهو قوله سبحانه : { لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 85 ] و{ فِي أُمَمٍ } في محل نصب على الحال من الضمير في عليهم ، والمعنى : كائنين في جملة أمم . وقيل : في بمعنى مع ، أي مع أمم من الأمم الكافرة التي { قَدْ خَلَتْ } ومضت { مِن قَبْلِهِمْ مّنَ الجن والإنس } على الكفر ، وجملة : { إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين } تعليل لاستحقاقهم العذاب .