البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَقَيَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ} (25)

التقييض : تهيئة الشيء وتيسيره ، وهذان ثوبان قيضان ، إذا كانا متكافئين في الثمن ، وقايضني بهذا الثوب : أي خذه وأعطني به بدله ، والمقايضة : المعارضة .

ولما ذكر تعالى الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة على كفر أولئك الكفرة ، أردفه بذكر السبب الذي أوقعهم في الكفر فقال : { وقضينا لهم قرناء } : أي سببنا لهم من حيث لم يحتسبوا .

وقيل : سلطنا ووكلنا عليهم .

وقيل : قدرنا لهم .

وقرناء : جمع قرين ، أي قرناء سوء من غواة الجن والإنس ؛ { فزينوا لهم } : أي حسنوا وقدروا في أنفسهم ؛ { ما بين أيديهم } ، قال ابن عباس : من أمر الآخرة ، أنه لا جنة ولا نار ولا بعث .

{ وما خلفهم } ، قال ابن عباس : من أمر الدنيا ، من الضلالة والكفر ولذات الدنيا .

وقال الكلبي : { ما بين أيديهم } : أعمالهم التي يشاهدونها ، { وما خلفهم } : ما هم عاملوه في المستقبل .

وقال ابن عطية : { ما بين أيديهم } ، من معتقدات السوء في الرسل والنبوات ومدح عبادة الأصنام واتباع فعل الآباء ، { وما خلفهم } : ما يأتي بعدهم من أمر القيامة والمعاد .

انتهى ، ملخصاً ، وهو شرح قول الحسن ، قال : { ما بين أيديهم } من أمر الدنيا ، { وما خلفهم } من أمر الآخرة .

وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز أن يقيض لهم القرناء من الشياطين وهو ينهاهم عن اتباع خطواتهم ؟ قلت : معناه أنه خذلهم ومنعهم التوفيق لتصميمهم على الكفر ، فلم يبق لهم قرناء سوى الشياطين ، والدليل عليه : { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً } انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال .

{ وحق عليهم القول } : أي كلمة العذاب ، وهو القضاء المختم ، بأنهم معذبون .

{ في أمم } : أي في جملة أمم ، وعلى هذا قول الشاعر :

إن تك عن أحسن الصنيعة مأفو *** كاً ففي آخرين قد أفكوا

أي : فأنت في جملة آخرين ، أو فأنت في عدد آخرين ، لست في ذلك بأوحد .

وقيل : في بمعنى مع ، ولا حاجة للتضمين مع صحة معنى في .

وموضع في { أمم } نصب على الحال ، أي كائنين في جملة أمم ، وذو الحال الضمير في عليهم .

{ إنهم كانوا خاسرين } : الضمير لهم وللأمم ، وهذا تعليل لاستحقاقهم العذاب .