الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{۞وَقَيَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ} (25)

{ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ } وقدّرنا لهم ، يعني لمشركي مكة : يقال : هذان ثوبان قيضان : إذا كانا متكافئين . والمقايضة : المعاوضة { قُرَنَاء } أخداناً من الشياطين جمع قرين ، كقوله تعالى : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف : 36 ]

فإن قلت : كيف جاز أن يقيض لهم القرناء من الشياطين وهو ينهاهم عن اتباع خطواتهم ؟ قلت : معناه أنه خذلهم ومنعهم التوفيق لتصميمهم على الكفر ، فلم يبق لهم قرناء سوى الشياطين . والدليل عليه ( ومن يعش ) نقيض { ما بين أيديهم وما خلفهم } ما تقدّم من أعمالهم وما هم عازمون عليها . أو ما بين أيديهم من أمر الدنيا واتباع الشهوات ، وما خلفهم : من أمر العاقبة ، وأن لا بعث ولا حساب { وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول } يعني كلمة العذاب { فِى أُمَمٍ } في جملة أمم . ومثل في هذه ما في قوله :

إنّ تَكُ عَنْ أَحْسَنِ الصَّنِيعَةِ مَأْ *** فُوكاً فَفِي آخَرِينَ قَدْ أُفِكُوا

يريد : فأنت في جملة آخرين ، وأنت في عداد آخرين لست في ذلك بأوحد .

فإن قلت : { فِى أُمَمٍ } ما محله ؟ قلت : محله النصب على الحال من الضمير في عليهم أي حق عليهم القول كائنين في جملة أمم { إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين } تعليل لاستحقاقهم العذاب . والضمير لهم وللأمم .