{ إلى ربها ناظرة } قال ابن عباس : وأكثر الناس تنظر إلى ربها عياناً بلا حجاب . قال الحسن : تنظر إلى الخالق وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق .
أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي ، أنبأنا عبد الله بن أحمد الحموي ، أنبأنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ، أنبأنا عبد الله بن حميد ، حدثنا شبابة ، عن إسرائيل ، عن ثوير قال : سمعت ابن عمر يقول : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة ، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة } .
وقوله : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ يقول تعالى ذكره : وجوه يومئذٍ ، يعني يوم القيامة ناضرة : يقول حسنة جميلة من النعيم يقال من ذلك : نَضُر وجه فلان : إذا حَسُن من النعمة ، ونضّر الله وجهه : إذا حسّنه كذلك .
واختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم بالذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن إسماعيل البخاري ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا المبارك ، عن الحسن وُجُوهٌ يَوْمئِذٍ ناضِرَةٌ قال : حسنة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ قال : نُضرة الوجوه : حُسنها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ قال : الناضرة : الناعمة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ قال : الوجوه الحسنة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ قال : من السرور والنعيم والغبطة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أنها مسرورة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ قال : مسرورة .
إلى رَبها ناظِرَة اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : أنها تنظر إلى ربها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، وإبراهيم بن سعيد الجوهري قالا : حدثنا عليّ بن الحسن بن شقيق ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحويّ ، عن عكرِمة وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال : تنظر إلى ربها نظرا .
حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، قال : سمعت أبي يقول : أخبرني الحسين بن واقد في قوله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ من النعيم إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال : أخبرني يزيد النحوي ، عن عكرِمة وإسماعيل بن أبي خالد ، وأشياخ من أهل الكوفة ، قال : تنظر إلى ربها نظرا .
حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، قال : حدثنا آدم قال : حدثنا المبارك ، عن الحسن ، في قوله : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ قال : حسنة إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال : تنظر إلى الخالق ، وحُقّ لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق .
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا خالد بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا أبو عرفجة ، عن عطية العوفي ، في قوله : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال : هم ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته ، وبصره محيط بهم ، فذلك قوله : لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنها تنتظر الثواب من ربها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عمر بن عبيد ، عن منصور ، عن مجاهد وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال : تنتظر منه الثواب .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال : تنتظر الثواب من ربها .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال : تنتظر الثواب .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور عن مجاهد إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال : تنتظر الثواب من ربها ، لا يراه من خلقه شيء .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، عن مجاهد وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ قال : نضرة من النعيم إلى رَبّها ناظِرَةً قال : تنتظر رزقه وفضله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : كان أناس يقولون في حديث ، «فيرون ربهم » فقلت لمجاهد : إن ناسا يقولون إنه يُرَى ، قال : يَرى ولا يراه شيء .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال : تنتظر من ربها ما أمر لها .
حدثني أبو الخطاب الحساني ، قال : حدثنا مالك ، عن سفيان ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال : تنتظر الثواب .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن ثوير ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : «إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى مُلكه وسُرُرِه وخدمه مسيرة ألف سنة ، يرى أقصاه كما يرى أدناه ، وإن أرفع أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى وجه الله بُكرة وعشية » .
قال : ثنا ابن يمان ، قال : حدثنا أشجع ، عن أبي الصهباء الموصلي ، قال : «إن أدنى أهل الجنة منزلة ، من يرى سرره وخدمه ومُلكَهُ في مسيرة ألف سنة ، فيرى أقصاه كما يرى أدناه وإن أفضلهم منزلة ، من ينظر إلى وجه الله غدوة وعشية » .
وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه عن الحسن وعكرِمة ، من أن معنى ذلك تنظر إلى خالقها ، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
حدثني عليّ بن الحسين بن أبجر ، قال حدثنا مصعب بن المقدام ، قال : حدثنا إسرائيل بن يونس ، عن ثوير ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ أدْنى أهْلِ الجَنّةِ مَنْزِلَةً ، لَمَنْ يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ ألْفَيْ سَنَةٍ قال : وإنّ أفضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَمَن يَنْظُرُ في وَجْهِ اللّهِ كُلّ يَوْم مَرّتَينِ قال : ثم تلا : وُحُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال : بالبياض والصفاء ، قال : إلى رَبّها ناظِرَةٌ قال : تنظر كلّ يوم في وجه الله عزّ وجلّ » .
إلى ربها ناظرة تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه ولذلك قدم المفعول وليس هذا في كل الأحوال حتى ينافيه نظرها إلى غيره وقيل منتظرة إنعامه ورد بأن الانتظار لا يسند إلى الوجه وتفسيره بالجملة خلاف الظاهر وأن المستعمل بمعناه لا يتعدى بإلى وقول الشاعر وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك زدتني نعما بمعنى السؤال فإن الانتظار لا يستعقب العطاء .
وقوله تعالى : { إلى ربها ناظرة } جملة هي في موضع خبر بعد خبر ، وقال بعض النحويين : { ناضرة } نعت ل { وجوه } ، و { إلى ربها ناظرة } خبر عن { وجوه } ، فعلى هذا كثر تخصص الوجوه فحسن الابتداء بها . و { ناضرة } معناه ناعمة ، والنضرة النعمة وجمال البشرة ، قال الحسن : وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق ، وقوله تعالى : { إلى ربها ناظرة } حمل هذه الآية أهل السنة على أنها متضمنة رؤية المؤمنين لله تعالى ، وهي رؤية دون محاذاة ولا تكييف ولا تحديد كما هو معلوم ، موجود لا يشبه الموجودات كذلك هو لا يشبه المرئيات في شيء ، فإنه ليس كمثله شيء لا إله إلا هو ، وروى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «حدثتكم عن الدجال أنه أعور وأن ربكم ليس بأعور وأنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا »{[11479]} ، وقال صلى الله عليه وسلم : «إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته »{[11480]} ، وقال الحسن : تنظرون إلى الله تعالى بلا إحاطة ، وأما المعتزلة الذين ينفون رؤية الله تعالى ، فذهبوا في هذه الآية إلى أن المعنى إلى رحمة ربها ناظرة أو إلى ثوابه أو ملكه ، فقدروا مضافاً محذوفاً ، وهذا وجه سائغ في العربية كما تقول ، فلا ناظر إليك في كذا ، أي إلى صنعك في كذا ، والرواية إنما تثبتها بأدلة قاطعة غير هذه الآية ، فإذا ثبتت حسن تأويل أهل السنة في هذه الآية وقوي ، وذهب بعض المعتزلة في هذه الآية إلى أن قوله { إلى } ليست بحرف الجر وإنما هي إلى واحد الآلاء فكأنه قال نعمة ربها منتظرة ، أو { ناظرة } من النظر بالعين ، ويقال نظرتك بمعنى انتظرتك ، ومنه قول الحطيئة : [ البسيط ]
وقد نظرتكم أبناء عائشة*** للخمس طال بها حبسي وتبساسي{[11481]}
والتبساس أن يقال للناقة بس بس لتدر على الحالب ، وفسر أبو عبيدة في غريبه هذا البيت على رواية أخرى وهي : طال بها حوزي وتنساسي بالنون وهو السير الشديد فتأمله .