جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ} (23)

{ إلى ربها ناظرة{[5212]} } : تراه عيانا حين يرى ربه يلتفت إلى غيره ، والنظر إلى غيره في جنب النظر إليه لا يعد{[5213]} نظرا ، ولهذا قدم المفعول ، والأحاديث الصحاح في تفسير تلك الآية وأقوال السلف والخلف على ذلك بحيث يعد المكابر معاندا ،


[5212]:أي: تنظر إليه عيانا بلا حجاب، هكذا قال جمهور أهل العلم، والمراد به ما تواتر به الأحاديث الصحيحة من أن العباد ينظرون إلى ربهم يوم القيامة كما ينظرون إلى القمر ليلة البدر، قال ابن كثير: هذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة، والتابعين، وسلف هذه الأمة، كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام، وهداة الأنام/12. وقال الإمام شمس الدين ابن القيم- رحمه الله- في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح: الآيات والأحاديث، والآثار المنقولة عن الصحابة في دلالتها على العلو، والرؤية أعظم من أن تحصر، وليس مع نفاة الرؤية، والعلو مما يصلح أن يذكر، ثم ذكر مفاسد قولهم في نفي الرؤية إلى أن قال: فقد اتفق عليها الأنبياء والمرسلون، وجميع الصحابة، والتابعون، وأئمة الإسلام على تتابع القرون، وأنكر أهل البدع المارقون، والجهمية المتهوكون، والفرعونية المعطلون، والباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون، والرافضة الذين هم بحبال الشيطان متمسكون، ومن حبل الله منقطعون، ولكل عدو لله ولرسوله مسالمون، وكل هؤلاء عن ربهم محجوبون، وعن بابه مطرودون أولئك أحزاب الضلال، وشيعة اللعين، ثم أطال الكلام في ذكر دلائل الرؤية إلى أن قال: والدليل السابع: قوله عز وجل:{وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}، فأنت إذا حفظت هذه الآية عن تحريفها عن موضعها، والكذب على المتكلم بها سبحانه فيما أراد منها وجدتها منادية هذا صريحا أن الله سبحانه يرى عيانا بالأبصار يوم القيامة، وإن أبيت إلا تحريفها الذي يسميه المحرفون تأويلا، فتأويل نصوص المعاد، والجنة والنار، والميزان والحساب أسهل على أربابه من تأويلها، وتأويل كل نص تضمنه القرآن والسنة كذلك، ولا يشاء مبطل على وجه الأرض أن يتأول النصوص ويحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك من السبيل ما وجد متأول مثل هذه النصوص، وهذا الذي أفسد الدين والدنيا، وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله في هذه الآية وتعديه بأداة إلى الصريحة في نظر العين وإخلاء الكلام من قرينة تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدى بإلي خلاف حقيقته، وموضوعه، صريح في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى نفس الرب جل جلاله فإن النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعديه بنفسه، فإن عدى بنفسه فمعناه التوقف والانتظار كقوله:{انظرونا نقتبس من نوركم}(الحديد:13)، إن عدى بفي فمعناه التفكر والاعتبار كقوله:{أو لم ينظروا إلى في ملكوت السماوات والأرض} (الأعراف:185)، وإن عدى بإلي فمعناه المعاينة بالأبصار كقوله {انظروا إلى ثمره إذا أثمر}(الأنعام:99)، فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل النظر، وكيف وقد قال- صلى الله عليه وسلم:" وجوه يومئذ ناضرة قال: من البهاء، والحسن إلى ربها ناضرة، قال: في وجه الله- عز وجل " فاسمع أيها الإنسان تفسير النبي- صلى الله عليه وسلم، والأحاديث الدالة على الرؤية متواترة رواها عنه أبو بكر الصديق، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وجرير بن عبد الله، وصهيب، وعبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وأبو موسى الأشعري، وعدي بن حاتم الطائي، وأنس بن مالك الأنصاري، وبريدة بن الحصيب الأسلمي، وأبو رزين، وجابر بن عبد الله وأبو أمامة الباهلي، وزيد بن ثابت، وعمار بن ياسر وعائشة أم المؤمنين، وعبد الله بن عمر، وسلمان الفارسي، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وحديثه موقوف، وأبي بن كعب، وكعب بن عجرة، وفضالة بن عبيد، وحديثه موقوف، فمن أراد الإطلاع عليها فليراجعها في مظانها انتهى. وأيضا قد بين رحمه الله هذه المسألة أتم بيان في خاتمة قصيدته النونية بأشعار لطيفة رشيقة بحيث تنشرح منها الصدور، وتلتزمها الأسماع، حيث قال: و يرونه سبحانه من فوقهم *** نظر العيان كما يرى القمران هذا تواتر عن رسول الله لم *** ينكره إلا فاسد الإيمان إلخ فمن يشاء فليطالعها/12.
[5213]:جواب عما قال الزمخشري: من أنه لا يجوز أن يكون النظر بمعناه؛ لأنه يلزم أن يكون النظر إلى غير وجه الله، ولا شك في بطلانه/12 منه.