الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ} (23)

{ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } وأكثر الناس تنظر إلى ربّها عياناً .

قال الحسين بن واقد : أخبرني يزيد بن عكرمة وإسماعيل بن أبي خالد وأشياخ من أهل الكوفة قالوا : تنظر إلى ربّها نظراً ، وقال الحسن : تنظر إلى الخالق وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق ، وقال عطية العوفي : ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته وبصره يحيط بهم ، فذلك قوله سبحانه :

{ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ } [ الأنعام : 103 ] ودليل هذا التأويل ما أخبرنا الحسن بن فنجويه قال : حدّثنا ابن ماجه قال : حدّثنا أبو جعفر محمد بن مندة الأصفهاني قال : حدّثنا الحسين بن حفص قال : حدّثنا إسرائيل بن يونس عن ثوير بن أبي ناختة قال : سمعت ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وزوجاته ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف عام ، وإن أكرمهم على الله لمن ينظر إلى وجهه تبارك وتعالى غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله ( عليه السلام ) { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } " .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا أبو النفخ محمد بن الحسن الأزدي الموصلي قال : حدّثني أحمد بن عيسى بن السكين قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن عمر بن يونس اليمامي قال : حدّثنا قال : أخبرنا رباح بن زيد الصنعاني قال : أخبرني ابن جريح قال : أخبرني زياد بن سعد أن أبا الزبير أخبره عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يتجلّى ربّنا عزّوجل حتى ينظروا إلى وجهه فيخرّون له سجداً فيقول : إرفعوا رؤسكم فليس هذا بيوم عبادة " .

وروى الحسن عن عمار بن ياسر قال : كان من دعاء النبي ( عليه السلام ) : " اللهم أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلّة " يعني أنّها تنتظر الثواب من ربّها ولا تراه من خلفه شي .

قلت : وهذا تأويل مدخول ؛ لأنّ العرب إذا أرادت بالنظر الانتظار قالوا : نظرته ، كما قال الله سبحانه :

{ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ } [ محمد : 18 ] هل ينظرون إلاّ نار الله ؟ و

{ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } [ يس : 49 ] وإذا أردت به التفكّر والتدبير قالوا : نظرت فيه فأمّا إذا كان النظر مقروناً بذكر إلى وذكر الوجه فلا يكون إلاّ بمعنى الرؤية والعيان .