البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ} (23)

وقوله : { إلى ربها ناظرة } جملة هي في موضع خبر بعد خبر . انتهى .

وليس { يومئذ } تخصيصاً للنكرة ، فيسوغ الابتداء بها ، لأن ظرف الزمان لا يكون صفة للجثة ، إنما يكون { يومئذ } معمول لناضرة .

وسوغ جواز الابتداء بالنكرة كون الموضع موضع تفصيل ، و { ناضرة } الخبر ، و { ناضرة } صفة .

وقيل : { ناضرة } نعت لوجوه ، و { إلى ربها ناظرة } الخبر ، وهو قول سائغ .

ومسألة النظر ورؤية الله تعالى مذكورة في أصول الدين ودلائل الفريقين ، أهل السنة وأهل الاعتزال ، فلا نطيل بذكر ذلك هنا .

ولما كان الزمخشري من المعتزلة ، ومذهبه أن تقديم المفعول يدل على الاختصاص ، قال هنا : ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر في محشر يجمع الله فيه الخلائق ، فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظوراً إليه محال ، فوجب حمله على معنى لا يصح معه الاختصاص ، والذي يصح معه أن يكون من قول الناس : أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي ، يريد معنى التوقع والرجاء ، ومنه قول القائل :

وإذا نظرت إليك من ملك *** والبحر دونك زدتني نعماء

وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون مقائلهم تقول : عيينتي ناظرة إلى الله وإليكم ، والمعنى : أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم ، كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه .

انتهى .

وقال ابن عطية : ذهبوا ، يعني المعتزلة ، إلى أن المعنى إلى رحمة ربها ناظرة ، أو إلى ثوابه أو ملكه ، فقدروا مضافاً محذوفاً ، وهذا وجه سائغ في العربية .

كما تقول : فلان ناظر إليك في كذا : أي إلى صنعك في كذا . انتهى .

والظاهر أن إلى في قوله : { إلى ربها } حرف جر يتعلق بناظرة .

وقال بعض المعتزلة : إلى هنا واحد الآلاء ، وهي النعم ، وهي مفعول به معمول لناظرة بمعنى منتظرة .