الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ} (23)

{ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } تنظر إلى ربها خاصة لا تنظر إلى غيره ، وهذا معنى تقديم المفعول ، ألا ترى إلى قوله : { إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر ( 12 ) } [ القيامة : 12 ] ، { إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المساق ( 30 ) } ، { إِلَى الله تَصِيرُ الامور } [ الشورى : 53 ] ، { وإلى الله المصير } [ آل عمران : 28 ] ، { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ البقرة : 245 ] ، { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [ هود : 88 ] ، كيف دلّ فيها التقديم على معنى الاختصاص ، ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر ولا تدخل تحت العدد في محشر يجتمع فيه الخلائق كلهم ، فإنّ المؤمنين نظارة ذلك اليوم لأنهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظوراً إليه : محال ، فوجب حمله على معنى يصح معه الاختصاص ، والذي يصح معه أن يكون من قول الناس : أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي ، تريد معنى التوقع والرجاء . ومنه قول القائل :

وَإذَا نَطَرْتُ إلَيْكَ مِنْ ملك *** وَالْبَحْرُ دُونَكَ زِدْتَني نِعَمَا

وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ، ويأوون إلى مقائلهم ، تقول : عيينتي نويظرة إلى الله وإليكم ، والمعنى : أنهم لا يتوقعون النعمة والكرامة إلا من ربهم ، كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون إلا إياه .