قوله تعالى : { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } ، قال كعب : كانت لعشرة إخوة خمسة زمنى ، وخمسة يعلمون في البحر . وفيه دليل على أن المسكين وإن كان يملك شيئاً فلا يزول عنه اسم المسكنة إذا لم يقم ما يملكه بكفايته ، يعملون في البحر أي : يؤجرون ويكتسبون بها ، { فأردت أن أعيبها } ، أجعلها ذات عيب . { وكان وراءهم } أي أمامهم { ملك } كقوله : { من ورائه جهنم } [ إبراهيم – 16 ] . وقيل : وراءهم خلفهم ، وكان رجوعهم في طريقهم عليه ، والأول أصح ، يدل عليه قراءة ابن عباس وكان أمامه ملك . { يأخذ كل سفينة غصباً } أي : كل سفينة صالحة غصباً ، وكان ابن عباس يقرأ كذلك ، فخرقها وعيبها الخضر حتى لا يأخذها الملك الغاصب ، وكان اسمه الجلندى وكان كافراً . قال محمد بن إسحاق : اسمه متوله بن جلندى الأزدى . وقال شعيب الجبائي : اسمه هدد بن بدد . وروي أن الخضر اعتذر إلى القوم وذكر لهم شأن الملك الغاصب ، ولم يكونوا يعلمون بخبره ، وقال : أردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها ، فإذا جاوزه أصلحوها فانتفعوا بها ، قيل : سدوها بقارورة . وقيل : بالقار .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ هََذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عّلَيْهِ صَبْراً } .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَمّا السّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مّلِكٌ يَأْخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ غَصْباً } .
يقول : أما فِعْلي ما فعلت بالسفينة ، فلأنها كانت لقوم مساكين يَعْمَلُونَ فِي البَحْرِ فأَرَدْتُ أنْ أعِيبَها بالخَرق الذي خرقتها ، كما :
حدثني محمد ابن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ : فأَرَدْتُ أنْ أعِيبَها قال : أخرقها .
حدثنا الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .
وقوله : وكانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ غَصْبا وكان أمامهم وقُدّامهم ملك . كما :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : وكانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ قال قتادة : أمامهم ، ألا ترى أنه يقول : مِنْ وَرَائِهمْ جَهَنَمُ وهي بين أيديهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان في القرآن : وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا . وقد ذُكر عن ابن عيينة ، عن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قرأ ذلك : وكان أمامهم ملك .
قال أبو جعفر : وقد جعل بعض أهل المعرفة بكلام العرب «وراء » من حروف الأضداد ، وزعم أنه يكون لما هو أمامه ولما خلفه ، واستشهد لصحة ذلك بقول الشاعر :
أيَرْجُو بَنُو مَرْوَانَ سَمْعي وطاعَتِي *** وَقَوْمي تَمِيمٌ والفَلاةُ وَرَائيَا
بمعنى أمامي ، وقد أغفل وجه الصواب في ذلك . وإنما قيل لما بين يديه : هو ورائي ، لأنك من ورائه ، فأنت ملاقيه كما هو ملاقيك ، فصار : إذ كان ملاقيك ، كأنه من ورائك وأنت أمامه . وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة لا يجيز أن يقال لرجل بين يديك : هو ورائي ، ولا إذا كان وراءك أن يقال : هو أمامي ، ويقول : إنما يجوز ذلك في المواقيت من الأيام والأزمنة كقول القائل : وراءك برد شديد ، وبين يديك حرّ شديد ، لأنك أنت وراءه ، فجاز لأنه شيء يأتي ، فكأنه إذا لحقك صار من ورائك ، وكأنك إذا بلغته صار بين يديك . قال : فلذلك جاز الوجهان .
وقوله : يَأْخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ غَصْبا فيقول القائل : فما أغنى خَرْق هذا العالم السفينة التي ركبها عن أهلها ، إذ كان من أجل خرقها يأخذ السفن كلها ، مَعِيبها وغير معيبها ، وما كان وجه اعتلاله في خرقها بأنه خرقها ، لأن وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة غصبا ؟ قيل : إن معنى ذلك ، أنه يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا ، ويدع منها كلّ معيبة ، لا أنه كان يأخذ صحاحها وغير صحاحها . فإن قال : وما الدليل على أن ذلك كذلك ؟ قيل : قوله : فأَرَدْتُ أنْ أعِيبَها فأبان بذلك أنه إنما عابها ، لأن المعيبة منها لا يعرض لها ، فاكتفى بذلك من أن يقال : وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة صحيحة غصبا على أن ذلك في بعض القراءات كذلك .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : هي في حرف ابن مسعود : «وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة صالحة غصبا » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني الحسن بن دينار ، عن الحكم بن عيينة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : في قراءة أُبي : «وكان وراءهم ملك يأخذ كلّ سفينة صالحة غصبا » . وإنما عبتها لأردّه عنها .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج وكانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ غَصْبا فإذا خلفوه أصلحوها بزفت فاستمتعوا بها . قال ابن جريج : أخبرني وهب بن سليمان ، عن شعيب الجَبَائِي ، أن اسم الرجل الذي يأخذ كلّ سفينة غصبا : هُدَدُ بنُ بُدد .
{ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } لمحاويج ، وهو دليل على أن المسكين يطلق على من يملك شيئا إذا لم يكفه . وقيل سموا مساكين لعجزهم عن دفع الملك أو لزمانتهم فإنها كانت لعشرة إخوة خمسة زمنى وخمسة يعملون في البحر . { فأردت أن أعيبها } أن أجعلها ذات عيب . { وكان وراءهم ملك } قدامهم أو خلفهم وكان رجوعهم عليه ، واسمه جلندى بن كركر ، وقيل منوار بن جلندى الأزدي . { يأخذ كلّ سفينة غصبا } من أصحابها . وكان حق النظم أن يتأخر قوله { فأردت أن أعيبها } عن قوله { وكان وراءهم ملك } لأن إرادة التعيب مسببة عن خوف الغصب وإنما قدم للعناية أو لأن السبب لما كان مجموع الأمرين خوف الغصب ومسكنه الملاك رتبه على أقوى الجزأين وأدعاهما وعقبه بالآخر على سبيل التقييد والتتميم ، وقرئ " كل سفينة صالحة " والمعنى عليها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.