إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتۡ لِمَسَٰكِينَ يَعۡمَلُونَ فِي ٱلۡبَحۡرِ فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٞ يَأۡخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصۡبٗا} (79)

{ أَمَّا السفينة } التي خرقتُها { فَكَانَتْ لمساكين } لضعفاءَ لا يقدرون على مدافعة الظَّلَمة ، وقيل : كانت لعشرة إخوةٍ خمسةٌ زمني{[522]} وخمسة { يَعْمَلُونَ في البحر } وإسنادُ العمل إلى الكل حينئذ إنما هو بطريق التغليب أو لأن عملَ الوكلاءِ عمل الموكِّلين { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } أي أجعلها ذاتَ عيب { وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ } أي أمامَهم وقد قرئ به أو خلفَهم وكان رجوعُهم عليه لا محالة واسمه جَلَندَي بنُ كركر ، وقيل : منولة بن جلندي الأزْدي { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ } أي صالحةٍ وقد قرئ كذلك { غَصْباً } من أصحابها وانتصابُه على أنه مصدرٌ مبينٌ لنوع الأخذ ، ولعل تفريعَ إرادةِ تعييب السفينةِ على مسكنة أصحابِها قبل بيان خوفِ الغصْب مع أن مدارَها كلا الأمرين ، للاعتناء بشأنها إذ هي المحتاجةُ إلى التأويل ، وللإيذان بأن الأقوى في المدارية هو الأمرُ الأولُ ولذلك لا يبالي بتخليص سفنِ سائرِ الناس مع تحقق خوفِ الغصبِ في حقهم أيضاً ، ولأن في التأخير فصلاً بين السفينة وضميرِها مع توهم رجوعِه إلى الأقرب .


[522]:الزمنى: جمع زمن، وهو الضعيف من مرض مستديم.