عاب الرجل ذكر وصفاً فيه يذم به ، وعاب السفينة أحدث فيها ما تنقص به .
روي أن موسى عليه السلام لما عزم الخضر على مفارقته أخذ بثيابه ، وقال : لا أفارقك حتى تخبرني بمَ أباح لك فعل ما فعلت ، فلما التمس ذلك منه أخذ في البيان والتفصيل ، فقال : { أما السفينة } فبدأ بقصة ما وقع له أولاً .
قيل : كانت لعشرة إخوة ، خمسة زمنى وخمسة يعملون في البحر .
وقيل : كانوا أجراء فنسبت إليهم للاختصاص .
وقرأ الجمهور : مساكين بتخفيف السين جمع مسكين .
وقرأ عليّ كرم الله وجهه بتشديد السين جمع مساك جمع تصحيح .
فقيل : المعنى ملاحين ، والمساك الذي يمسك رجل السفينة وكل منهم يصلح لذلك .
وقيل : المساكون دبَغَة المسوك وهي الجلود واحدها مسك ، والقراءة الأولى تدل على أن السفينة كانت لقوم ضعفاء ينبغي أن يشفق عليهم ، واحتج بهذه الآية على أن المسكين هو الذي له بلغة من العيش كالسفينة لهؤلاء ، وأنه أصلح حالاً من الفقير .
وقوله { فأردت } فيه إسناد إرادة العيب إليه .
وفي قوله : فأراد ربك أن يبلغا لما في ذكر العيب ما فيه فلم يسنده إلى الله ، ولما في ذلك من فعل الخير أسنده إلى الله تعالى .
قال الزمخشري : فإن قلت : قوله { فأردت أن أعيبها } مسبب عن خوف الغصب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب فلم قدم عليه ؟ قلت : النية به التأخير ، وإنما قدم للعناية ولأن خوف الغصب ليس هو السبب وحده ، ولكن مع كونها { لمساكين } فكان بمنزلة قولك : زيد ظني مقيم .
وقيل في قراءة أبيّ وعبد الله كل سفينة صالحة انتهى .
وقرأ الجمهور { وراءهم } وهو لفظ يطلق على الخلف وعلى الأمام ، ومعناه هنا أمامهم .
وكون { وراءهم } بمعنى أمامهم قول قتادة وأبي عبيد وابن السكيت والزجاج ، ولا خلاف عند أهل اللغة أن وراء يجوز بمعنى قدام ، وجاء في التنزيل والشعر قال تعالى { من ورائه جهنم } وقال { ومن ورائه عذاب غليظ } وقال { ومن ورائهم برزخ } وقال لبيد :
أليس ورائي إن تراخت منيتي***لزوم العصا يحني عليها الأصابع
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي***وقومي تميم والفلاة ورائيا
أليس ورائي أن أدب على العصا***فتأمن أعداء وتسأمني أهلي
وقال ابن عطية : وقوله { وراءهم } عندي هو على بابه ، وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء يراعى بها الزمن ، والذي يأتي بعد هو الوراء وهو ما خلف ، وذلك بخلاف ما يظهر بادي الرأي ، وتأمل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد ، فهذه الآية معناها أن هؤلاء وعملهم وسعيهم يأتي بعده في الزمن غصب هذا الملك ، ومن قرأ أمامهم أراد في المكان أي إنهم كانوا يسيرون إلى بلده وقوله تعالى في التوراة والإنجيل .
إنها بين يدي القرآن ، مطرد على ما قلناه في الزمن .
وقوله { من ورائهم جهنم } مطرد كما قلنا من مراعاة الزمن .
وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : « الصلاة أمامك » يريد في المكان ، وإلاّ فكونهم في ذلك الوقت كان أمام الصلاة في الزمن .
وتأمل هذه المقالة فإنها مريحة من شغب هذه الألفاظ ووقع لقتادة في كتب الطبري { وكان وراءهم ملك } .
قال قتادة : أمامهم ألا ترى أنه يقول { من ورائهم جهنم } وهي من بين أيديهم ، وهذا القول غير مستقيم وهذه هي العجة التي كان الحسن بن أبي الحسن يضج منها قاله الزجّاج .
ويجوز أن كان رجوعهم في طريقهم على الغاصب فكان وراءهم حقيقة انتهى .
وهو كلام فيه تكثير وكأنه ينظر إلى ما قاله الفراء .
قال الفراء : لا يجوز أن يقال للرجل بين يديك هو وراءك ، إنما يجوز ذلك في المواقيت من الليالي والأيام والدهر تقول : وراءك برد شديد ، وبين يديك برد شديد جاز الوجهان لأن البرد إذا لحقك صار من ورائك ، وكأنك إذا بلغته صار بين يديك .
قال : إنما جاز هذا في اللغة لأن ما بين يديك وما قدامك إذا توارى عنك فقد صار وراءك .
وقال أبو علي : إنما جاز استعمال وراء بمعنى أمام على الاتساع لأنها جهة مقابلة لجهة فكانت كل واحدة من الجهتين وراء الأخرى إذا لم يرد معنى المواجهة ، ويجوز ذلك في الأجرام التي لا وجه لها مثل حجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر ، وأكثر أهل اللغة على أن وراء من الأضداد انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.