السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتۡ لِمَسَٰكِينَ يَعۡمَلُونَ فِي ٱلۡبَحۡرِ فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٞ يَأۡخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصۡبٗا} (79)

ثم أخذ الخضر في تأويل ذلك مبتدئاً بالمسألة الأولى بقوله : { أما السفينة } أي : التي أحسن إلينا أهلها فخرقتها { فكانت لمساكين } عشرة إخوة خمسة زمني وخمسة { يعملون في البحر } أي : يؤاجرون ويكتسبون ، واحتج الشافعي رضي اللّه عنه بهذه الآية على أن حال الفقير أشدّ في الحاجة والضرر من حال المسكين لأن اللّه تعالى سماهم مساكين مع أنهم كانوا يملكون تلك السفينة { فأردت أن أعيبها } أي : أن أجعلها ذات عيب بأن تفوت منفعتها بذلك ساعة من نهار وتكلف أهلها لوحاً أو لوحين يسدونها بذلك أخف عليهم من أن تفوتهم منفعتها بالكلية كما يعلم من قوله : { وكان وراءهم } أي : أمامهم كقوله تعالى : { ومن ورائهم برزخ } [ المؤمنين ، 100 ] وقيل خلفهم ، وكان طريقهم في رجوعهم عليه { ملك } كان كافراً واسمه الجلندي ، وقال محمد بن إسحاق : اسمه سولة بن خليد الأزدي ، وقيل : اسمه هدد بن بدد { يأخذ كل سفينة } أي : صالحة وحذف التقييد بذلك للعلم به { غصباً } من أصحابها ولم يكن عند أصحابها علم به فإذا مرّت به تركها لعيبها فإذا جاوزته أصلحوها فانتفعوا بها قيل : سدوها بقارورة وقيل : بالفار فإن قيل : قوله : فأردت أن أعيبها مسبب عن خوف الغصب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب فلم قدّم عليه ؟ أجيب : بأن النية به التأخير وإنما قدم للعناية ولأنّ خوف الغصب ليس هو السبب وحده ولكن مع كونها للمساكين ، فلما كان كل من الغصب والمسكنة سبب الفعل قدمها على الغصب إشارة إلى أن أقوى السببين الحاملين على فعله الرأفة بالمساكين .