قوله تعالى : { هنالك } أي عند ذلك .
قوله تعالى : { دعا زكريا ربه } فدخل المحراب وغلق الأبواب وناجى ربه .
قوله تعالى : { قال رب } أي يا رب .
قوله تعالى : { هب لي } أعطني .
قوله تعالى : { من لدنك } أي من عندك .
قوله تعالى : { ذرية طيبة } أي ولداً مباركاً تقياً صالحاً رضياً ، والذرية تكون واحداً وجمعاً ، ذكراً وأنثى وهو ها هنا واحد بدليل قوله عز وجل
( فهب لي من لدنك ولياً ) وإنما قال " طيبة " لتأنيث لفظ الذرية .
قوله تعالى : { إنك سميع الدعاء } أي سامعه ، وقيل مجيبه ، كقوله تعالى : ( إني آمنت بربكم فاسمعون ) أي فأجيبوني .
{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيّا رَبّهُ قَالَ رَبّ هَبْ لِي مِن لّدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعَآءِ }
أما قوله : { هُنَالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبّهُ } فمعناه : عند ذلك ، أي عند رؤية زكريا ما رأى عند مريم من رزق الله الذي رزقها ، وفضله الذي آتاها من غير تسبب أحد من الاَدميين في ذلك لها ، ومعاينته عندها الثمرة الرطبة التي لا تكون في حين رؤيته إياها عندها في الأرض¹ طمع في الولد مع كبر سنه من المرأة العاقر ، فرجا أن يرزقه الله منها الولد مع الحال التي هما بها ، كما رزق مريم على تخليها من الناس ما رزقها ، من ثمرة الصيف في الشتاء ، وثمرة الشتاء في الصيف ، وإن لم يكن مثله مما جرت بوجوده في مثل ذلك الحين العادات في الأرض ، بل المعروف في الناس غير ذلك ، كما أن ولادة العاقر غير الأمر الجارية به العادات في الناس ، فرغب إلى الله جل ثناؤه في الولد ، وسأله ذريّة طيبة . وذلك أن أهل بيت زكريا فيما ذكر لنا ، كانوا قد انقرضوا في ذلك الوقت . كما :
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فلما رأى زكريا من حالها ذلك يعني فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف ، قال : إن ربّا أعطاها هذا في غير حينه ، لقادر على أن يرزقني ذرّية طيبة . ورغب في الولد ، فقام فصلى ، ثم دعا ربه سرّا ، فقال : { رَبّ إِنّي وَهَنَ العَظْمُ مِنّي وَاشْتَعَلَ الرأسُ شَيْبا وَلَمْ أكُنْ بِدُعائِكَ رَبّ شَقِيّا وَإنّي خِفْتُ المَوَالي مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأتي عاقِرا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلَيّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّا } . وقوله : { رَب هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُريّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعاءِ } . وقال : { رَبّ لا تَذَرْنِي فَرْدا وأنْتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ } .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : فلما رأى ذلك زكريا يعني فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف عند مريم قال : إن الذي يأتي بهذا مريم في غير زمانه ، قادر أن يرزقني ولدا ! قال الله عزّ وجلّ : { هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبّهُ } قال : فذلك حين دعا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن عكرمة ، قال : فدخل المحراب ، وغلق الأبواب ، وناجى ربه ، فقال : { رَبّ إِنّي وَهَنَ العَظْمُ مِنّي وَاشْتَعَلَ الرّأسُ شَيْبا } إلى قوله : { رَبّ رَضِيّا } { فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي المِحْرَابِ أنّ اللّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدقا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللّهِ } . . . الاَية .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني بعض أهل العلم ، قال : فدعا زكريا عند ذلك بعد ما أسنّ ، ولا ولد له ، وقد انقرض أهل بيته ، فقال : { رَبّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعاءِ } ثم شكا إلى ربه ، فقال : { رَبّ إِنّي وَهَنَ العَظْمُ مِنّي وَاشْتَعَلَ الرّأسُ شَيْبا } . . . إلى : { وَاجْعَلْهُ رَب رَضِيّا } { فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي المِحْرَابِ } . . . الاَية .
وأما قوله : { رَب هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً } فإنه يعني بالذرية : النسل ، وبالطيبة : المباركة . كما :
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { قال رَبّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً } يقول : مباركة .
وأما قوله : { مِنْ لَدُنْكَ } فإنه يعني من عندك . وأما الذرية : فإنها جمع ، وقد تكون في معنى الواحد ، وهي في هذا الموضع الواحد¹ وذلك أن الله عزّ وجلّ قال في موضع آخر مخبرا عن دعاء زكريا : { فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا } ولم يقل «أولياء » ، فدلّ على أنه سأل واحدا . وإنما أنث طيبة لتأنيث الذرية ، كما قال الشاعر :
أبُوكَ خَلِيفَةٌ وَلَدَتْهُ أخْرَى وأنْتَ خَلِيفَةٌ ، ذَاكَ الكمالُ
فقال : ولدته أخرى ، فأنث ، وهو ذكر لتأنيث لفظ الخليفة ، كما قال الاَخر :
كما يَزْدَرِي مِنْ حَيّةٍ جَبَلِيّةٍ سَكابِ إذا ما عَضّ ليسَ بأدْرَدَا
فأنث الجبلية لتأنيث لفظ الحية ، ثم رجع إلى المعنى فقال : إذا ما عضّ لأنه كان أراد حية ذكرا ، وإنما يجوز هذا فيما لم يقع عليه فلان من الأسماء كالدابة والذرية والخليفة ، فأما إذا سُمي رجل بشيء من ذلك ، فكان في معنى فلان لم يجز تأنيث فعله ولا نعته .
وأما قوله : { إِنّكَ سَمِيعُ الدّعاءِ } فإن معناه : إن سامع الدعاء ، غير أن سميع أمدح ، وهو بمعنى ذو سمع له ، وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معناه : إنك تسمع ما تدعي به .
فتأويل الاَية : فعند ذلك دعا زكريا ربه فقال : ربّ هب لي من عندك ولدا مباركا ، إنك ذو سمع دعاء من دعاك .
{ هنالك دعا زكريا ربه } في ذلك المكان ، أو الوقت إذ يستعار هنا وثم وحيث للزمان ، لما رأى كرامة مريم ومنزلتها من الله تعالى . { قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } كما وهبتها لحنة العجوز العاقر . وقيل لما رأى الفواكه في غير أوانها انتبه على جواز ولادة العاقر من الشيخ ، فسأل وقال هب لي من لدنك ذرية ، لأنه لم يكن على الوجوه المعتادة وبالأسباب المعهودة . { إنك سميع الدعاء } مجيبه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.